ثم حث على إخلاص العبادة له والهجرة من الوطن ، فبين أن الدنيا ليست دار بقاء ، وأن وراءها دار الجزاء ، التي يؤتى فيها كل عامل جزاء عمله فقال :
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) أي أينما تكونوا يدرككم الموت ، فكونوا فى طاعة الله وافعلوا ما أمركم به ، فذلك خير لكم ، فإن الموت لا محالة آت ، ولله در القائل :
الموت فى كل حين ينشد الكفنا |
|
ونحن فى غفلة عما يراد بنا |
لا تركننّ إلى الدنيا وزهرتها |
|
وإن توشحت من أثوابها الحسنا |
أين الأحبة والجيران ما فعلوا |
|
أين الذين هم كانوا لها سكنا؟ |
سقاهم الموت كأسا غير صافية |
|
صيّرتهم تحت أطباق الثرى رهنا |
ثم إلى الله مرجعكم ، فمن كان مطيعا له جازاه خير الجزاء وآتاه أتم الثواب.
والخلاصة : لا يصعبنّ عليكم ترك الأوطان ، مرضاة للرحمن ، بل هاجروا إلى أوفق. البلاد وإن بعدت ، فإن مدى الدنيا قريب ، والموت لا محيص منه ، ثم إلى ربكم ترجعون ، فيوفيكم جزاء ما تعملون ، فقدموا له خير العمل تفوزوا بنعيم مقيم ، وجنة عرضها السموات والأرض.
ثم بيّن جزاء المؤمن بربه ، المهاجر بدينه ، فرارا من شرك المشركين ، فقال :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) أي والذين صدّقوا الله ورسوله فيما جاء به من عنده ، عملوا بما أمرهم به ، فأطاعوه وانتهوا عما نهاهم عنه لنزلنهم من الجنة علالىّ وقصورا ، تجرى من تحت أشجارها الأنهار ، ما كثين فيها إلى غير نهاية ، جزاء لهم على ما عملوا ونعم الجزاء.
ثم بين صفات هؤلاء العاملين الذين استحقوا تلك الجنات بقوله :
(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي هؤلاء العاملون هم الذين صبروا على