ثم فسر هذه الوصية بقوله :
(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) أي وعهدنا إليه أن اشكر لى على نعمى عليك ، ولوالديك ، لأنهما كانا السبب فى وجودك ، وإحسان تربيتك ، وملاقاتهما ما لا قيا من المشقة حتى استحكمت قواك.
ثم علل الأمر بشكره محذّرا إياه بقوله :
(إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي إلىّ الرجوع ، لا إلى غيرى ، فأجازيك على ما صدر منك مما يخالف أمرى ، وسائلك عما كان من شكرك لى على نعمى عليك ، وعلى ما كان من شكرك لوالديك وبرّك بهما.
وبعد أن ذكر سبحانه وصيته بالوالدين وأكد حقهما ، ووجوب طاعتهما استثنى من ذلك حقوقه تعالى ، فإنه لا يجب طاعتهما فيما يغضبه ، فقال :
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) أي وإن ألحف عليك والداك فى الطلب ، وشدّ النكير عليك ، بأن تشرك بي فى عبادتى غيرى مما لا تعلم أنه شريك لى ، فلا تطعهما فيما أمراك به ، وإن أدى الأمر إلى السيف فجاهدهما به.
روى أن هذه الآية نزلت فى سعد بن أبى وقاص قال : «لما أسلمت حلفت أمي لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا ، فناشدتها أول يوم فأبت وصبرت ، فلما كان اليوم الثاني ناشدتها فأبت ، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت ، فقلت : والله لو كانت لك مائة نفس لخرجت قبل أن أودع دينى هذا ، فلما رأت ذلك وعرفت أنى لست فاعلا أكلت».
(وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) أي وصاحبهما فى أمور الدنيا صحبة يرتضيها الدين ، ويقتضيها الكرم والمروءة ، بإطعامهما وكسوتهما ، وعدم جفائهما وعيادتهما إذا مرضا ، ومواراتهما فى القبر إذا ماتا.