وبعد أن أمره بتكميل نفسه توفية لحق الله عليه عطف على ذلك تكميله لغيره ، فقال :
(وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) أي وأمر غيرك بتهذيب نفسه قدر استطاعتك ، تزكية لها ، وسعيا إلى الفلاح ، كما قال : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها».
(وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي وانه الناس عن معاصى الله ومحارمه التي توبق من اكتسبها ، وتلقى به فى عذاب السعير ، فى جهنم وبئس المصير.
(وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من أذى الناس فى ذات الله إذا أنت أمرتهم بالمعروف أو نهيتهم عن المنكر.
وقد بدأ هذه الوصية بالصلاة ، وختمها بالصبر ، لأنهما عمادا لاستعانة إلى رضوان الله كما قال : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ».
ثم ذكر علة ذلك ، فقال :
(إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي إن ذلك الذي أوصيك به من الأمور التي جعلها الله محتومة على عباده لا محيص منها ، لما لها من جزيل الفوائد ، وعظيم المنافع ، فى الدنيا والآخرة ، كما دلت على ذلك تجارب الحياة ، وأرشدت إليه نصوص الدين.
وبعد أن أمره بأشياء حذره من أخرى ، فقال :
(١) (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) أي ولا تعرض بوجهك عمن تكلمه تكبرا واحتقارا له ، بل أقبل عليه بوجهك كله متهللا مستبشرا من غير كبر ولا عتوّ.
ومن هذا ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث».
(٢) (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي ولا تمش فى الأرض مختالا متبخترا ، لأن تلك مشية الجبارين المتكبرين الذين يبغون فى الأرض ، ويظلمون الناس ، بل امش هونا ، فإن ذلك يفضى إلى التواضع ، وبذا تصل إلى كل خير.