أي إنه سبحانه إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز الخبيث من الطيب ، ويظهر أمر كل منهما جليا واضحا كما قال : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» وقال : «ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ» ثم يثيب أهل الصدق منهم بصدقهم بما عاهدوا الله عليه ، ووفائهم له به ، ويعذب المنافقين الناقضين لعهده ، المخالفين لأوامره ، إذا استمروا على نفاقهم حتى يلقوه ، فإن تابوا ونزعوا عن نفاقهم ، وعملوا صالح الأعمال غفر لهم ما أسلفوا من السيئات ، واجترحوا من الآثام والذنوب.
ولما كانت رحمته ورأفته بخلقه هى الغالبة قال :
(إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي إنه تعالى من شأنه الستر على ذنوب التائبين والرحمة بهم ، فلا يعاقبهم بعد التوبة ، وفى هذا حثّ عليها فى كل حين ، وبيان نفعها للتائبين.
ثم رجع يحكى بقية القصص وفصّل ذلك تتميما للنعمة التي أشار إليها إجمالا بقوله :
«فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها» ووسط بينهما بإيضاح ما نزل بهم من الطامة التي تحير العقول والأفهام ، والداهية التي نزلت فيها الأقدام ، وما صدر من من الفريقين المؤمنين وأهل الكفر والنفاق من الأحوال والأقوال ، لإظهار عظمة النعمة ، وإبانة جليل خطرها ، ومجيئها حين اشتداد الحاجة إليها فقال :
(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) أي فأرسلنا ريحا وجنودا لم تروها ، ورددنا الذين كفروا بالله ورسوله من قريش وغطفان بغمّهم ، بفوت ما أمّلوا من الظفر ، وخيبتهم فيما كانوا طمعوا فيه من الغلبة والنصر على محمد وصحبه ، إذ لم يصيبوا مالا ولا إسارا ، ولم يحتج المؤمنون إلى منازلتهم ومبارزتهم لإجلائهم عن بلادهم ، بل كفى الله المؤمنين القتال ، ونصر عبده ، وأعز جنده. وهزم الأحزاب وحده. فلا شىء بعده.