هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا حضهم على الجهاد ونحوه ، فذلك لارتقائهم الروحي ، فإذا كيف يستأذن الناس آباءهم وأمهاتهم حين أمرهم صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك ، وهو أشفق عليهم من الآباء ، بل من أنفسهم.
روى البخاري عن أبى هريرة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فأيّما مؤمن ترك مالا ، فلترثه عصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا (عيالا) فليأتنى ، فأنا مولاه».
وفى الصحيح أن عمر رضى الله عنه قال : «يا رسول الله ، والله لأنت أحب إلىّ من كل شىء إلا من نفسى ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال : يا رسول الله ، والله لأنت أحب إلىّ من كل شىء ، حتى من نفسى ، فقال صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر».
الإيضاح
(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي النبي أشد ولاية ونصرة لهم من أنفسهم ، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يأمرهم إلا بما فيه خيرهم وصلاحهم ، ولا ينهاهم إلا عما يضرهم ويؤذيهم فى دنياهم وآخرتهم ، أما النفس فإنّها أمارة بالسوء ، وقد تجهل بعض المصالح ، وتخفى عليها بعض المنافع.
ومما يلزم هذا أن يكون حكمه نافذا فيهم ، مقدّما على ما يختارونه لأنفسهم ، كما قال : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً».
وخلاصة ذلك : إنه تعالى علم شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته ، وشدة نصحه لهم ، فجعله أولى بهم من أنفسهم.
(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) أي هن منزلات منزلة الأمهات فى الحرمة والاحترام ،