فاذا فهم هذا فاعلم أن المعنى الغالب فى أفعل تعدية ما كان ثلاثيا ، وهى أن يجعل ما كان فاعلا للازم مفعولا لمعنى الجعل فاعلا لأصل الحدث على ما كان ، فمعنى «أذهبت زيدا» جعلت زيدا ذاهبا ، فزيد مفعول لمعنى الجعل الذى استفيد من الهمزة فاعل للذهاب كما كان فى ذهب زيد ، فان كان الفعل الثلاثى غير متعد صار بالهمزة متعديا إلى واحد هو مفعول لمعنى الهمزة ـ أى : الجعل والتصيير ـ كأذهبته ، ومنه أعظمته : أى جعلته عظيما باعتقادى ، بمعنى استعظمته ، وإن كان متعديا إلى واحد صار بالهمزة متعديا إلى اثنين أولهما مفعول الجعل والثانى لأصل الفعل ، نحو : أحفرت زيدا النهر : أى جعلته حافرا له ، فالأول مجعول ، والثانى محفور ، ومرتبة المجعول مقدمة على مرتبة مفعول أصل الفعل ؛ لأن فيه معنى الفاعلية. وإن كان الثلاثى متعديا إلى اثنين صار بالهمزة
__________________
وقد ورد من هذه المادة الفعل الثلاثى ، تقول : قرد الرجل والبعير ـ كفرح ـ إذا ذل وخضع ، وقيل : قرد الرجل : أى سكت عن عى. واستحجر المكان : كثرت الحجارة فيه ؛ واستنوق الجمل : صار كالناقة فى ذلها ، لا يستعمل إلا مزيدا ، قال ثعلب : «ولا يقال استناق الجمل (يقصد أنه لا تنقل حركة الواو إلى الساكن قبلها ، ثم تقلب ألفا) وذلك لأن هذه الأفعال المزيدة أعنى «أفتعل واستفعل» إنما تعتل باعتلال أفعالها الثلاثية البسيطة التى لا زيادة فيها ، فلما كان استنوق واستتيس ونحوهما دون فعل بسيط لا زيادة فيه صحت الياء والواو ، لسكون ما قبلهما» اه. وقولهم «استنوق الجمل» مثل يضرب للرجل يكون فى حديث أو صفة شىء ثم يخلطه بغيره وينتقل إليه ، وأصله أن طرفة بن العبد كان عند بعض الملوك والمسيب (كمعظم) بن علس (كجبل) ينشده شعرا فى وصف جمل ثم حوله إلى نعت ناقة ، فقال طرفة : قد استنوق الجمل ، فغضب المسيب ، وقال : «ليقتلنه لسانه» ، فكان كما تفرس فيه. قال ابن برى : البيت الذى أنشده المسيب بن علس هو قوله : ـ
و إنّى لأمضى الهمّ عند احتضاره |
|
بناج عليه الصيّعريّة مكدم |