إلى أن الفعل الذى يلى علما رفعه واجب لأن «أن» الناصبة لا تقع بعده إلا فى نادر من القول ، وإنما تقع بعده «أن» المخففة مفصولة من الفعل الذى بعدها ـ غالبا ـ نحو قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] و (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : ٨٩].
وغير مفصول قليل كقول الشاعر : [من الخفيف]
علموا أن يؤمّلون فجادوا |
|
قبل أن يسألوا بأعظم سؤل (١) |
وقيدت العلم بالخلوص احترازا من إجازة سيبويه (٢) : «ما علمت إلّا أن تقوم» ـ بالنصب ـ قال : «لأنه كلام خرج مخرج الإشارة فجرى مجرى قولك : أشير عليك أن تقوم».
ثم أشرت إلى أن وقوع الناصبة بعد علم خالص قد شذ فى قراءة بعض القراء (٣) : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) [طه : ٨٩] ـ بالنصب ـ.
وفى قول الشاعر : [من البسيط]
نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا |
|
ألّا يدانينا من خلقه بشر (٤) |
ثم أشرت إلى أن من العرب من يجيز الرفع بعد «أن» الناصبة السالمة من سبق علم أو ظن ؛ والإشارة بذلك إلى مثل قول الشاعر : [من البسيط]
أن تقرآن على أسماء ويحكما |
|
منّى السّلام وألّا تشعرا أحدا (٥) |
__________________
(١) تقدم تخريج هذا البيت.
(٢) عبارة سيبويه : وتقول : ما علمت إلا أن تقوم ، وما أعلم إلا أن تأتيه ، إذا لم ترد أن تخبر أنك قد علمت شيئا كائنا ألبتة ، ولكنك تكلمت على وجه الإشارة ، كما تقول : أرى ـ من الرأى ـ أن تقوم. ينظر : الكتاب (٣ / ١٦٨).
(٣) العامة على رفع «يرجع» ؛ لأنها المخففة من الثقيلة ، ويدل على ذلك وقوع أصلها وهو المشددة فى قوله : «ألم يروا أنّه لا يكلّمهم». قال الزجاج : الاختيار : الرفع بمعنى : أنه لا يرجع كقوله : «وحسبوا أن لا تكون فتنة» بمعنى : أنه لا تكون. وقرأ أبو حيوة والشافعى ـ رضى الله عنه ـ وأبان بنصبه ؛ جعلوها الناصبة. ينظر : اللباب (١٣ / ٣٥٩ ، ٣٦٠).
(٤) البيت لجرير فى ديوانه ١ / ١٥٧ ، والدرر ٤ / ٥٦ ، همع الهوامع ٢ / ٢ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٥١.
(٥) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٣ ، والإنصاف ٢ / ٥٦٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٥٦ ، والجنى الدانى ص ٢٢٠ ، وجواهر الأدب ص ١٩٢ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٢٠ ، ٤٢١ ، ٤٢٣ ، ٤٢٤ ، والخصائص ١ / ٣٩٠ ، ورصف المبانى ص ١١٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٤٩ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٥٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٢ ، وشرح شواهد ـ ـ المغنى ١ / ١٠٠ ، وشرح المفصل ٧ / ١٥ ، ٨ / ١٤٣ ، ٩ / ١٩ ، ولسان العرب (أنن) ، ومجالس ثعلب ص ٢٩٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٠ ، والمنصف ١ / ٢٧٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٠.