فـ «أن» الأولى والثانية مصدريتان ، وقد أعملت إحداهما ، وأهملت الأخرى تشبيها بـ «ما» المصدرية.
ومن إهمالها قول الآخر : [من الطويل]
إذا متّ فادفنّى إلى جنب كرمة |
|
تروّى عظامى فى الممات عروقها (١) |
ولا تدفننّى فى الفلاة فإنّنى |
|
أخاف إذا ما متّ ألّا أذوقها (٢) |
ومنه قراءة بعضهم (٣) : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : ٢٣٣] ـ بالرفع ـ.
__________________
(١) البيت لأبى محجن الثقفى فى ديوانه ص ٤٨ ، ولسان العرب (فنع) ، (كرم) ، وكتاب العين ٥ / ٣٦٩ ، وبلا نسبة فى تاج العروس (كرم).
(٢) البيت لأبى محجن الثقفى فى ديوانه ص ٤٨ ، والأزهية ص ٦٧ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٩٨ ، ٤٠٢ ، والدرر ٤ / ٥٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٠١ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٣١ ، ولسان العرب (فنع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٥٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٠.
(٣) قرأ مجاهد. ويروى عن ابن عباس. : (أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) برفع «يتمّ» وفيها قولان :
أحدهما قول البصريين : أنها «أن» الناصبة أهملت حملا على «ما» أختها ؛ لاشتراكهما فى المصدرية ، وأنشدوا على ذلك قوله :
إنّى زعيم يا نوي |
|
قة إن أمنت من الرّزاح |
أن تهبطين بلاد قو |
|
م يرتعون من الطّلاح |
وقول الآخر :
يا صاحبىّ فدت نفسى نفوسكما |
|
وحيثما كنتما لقّيتما رشدا |
أن تقرآن على أسماء ويحكما |
|
منّى السّلام وألّا تشعرا أحدا |
فأهملها ؛ ولذلك ثبتت نون الرفع ، وأبوا أن يجعلوها المخففة من الثقيلة لوجهين :
أحدهما : أنه لم يفصل بينها وبين الجملة الفعلية بعدها.
والثانى : أنّ ما قبلها ليس بفعل علم ويقين.
والثانى : وهو قول الكوفيين أنها المخففة من الثقيلة ، وشذّ وقوعها موقع الناصبة ؛ كما شذّ وقوع «أن» الناصبة موقعها فى قوله :
..... قد علموا |
|
أن لا يدانينا من خلقه بشر |
و «الرضاعة» بالرفع فاعلا ، وقرأ أبو حيوة وابن أبى عبلة كذلك ، إلا أنهما. كسرا راء «الرضاعة» ، وهى لغة كالحضارة والحضارة ، والبصريون يقولون : فتح الراء مع هاء التأنيث وكسرها مع عدم الهاء ، والكوفيون يزعمون العكس. ـ ـ وقرأ مجاهد : «الرّضعة» بوزن القصعة ، والرّضع : مصّ الثّدى ، ويقال للّئيم : راضع ؛ وذلك أنه يخاف أن يحلب الشاة ، فيسمع منه الحلب ، فيطلب منه اللبن ؛ فيرتضع ثدى الشاة بفمه. ينظر : الدر المصون (١ / ٥٦٩).