قال ابن السراج : «الواو تنصب ما بعدها فى غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء. وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الاشتراك بين الفعل ، والفعل وأردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذى قبلها ـ كما كان فى الفاء ـ وأضمرت «أن». وتكون الواو فى
__________________
ـ الفاء ، فيوهم أنها جواب. وقال سيبويه : والواو تنصب ما بعدها فى غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء ، والواو والفاء معناهما مختلفان ، ألا ترى :
لا تنه عن خلق وتأتى مثله |
|
......... |
لو دخلت الفاء هنا لأفسدت المعنى ، أراد : لا تجمع بين النهى والإتيان. وتقول : لا تأكل السمك ، وتشرب اللبن لو أدخلت الفاء فسد المعنى». قال الشيخ : ويوضح لك أنها ليست بجواب انفراد الفاء دونها ، بأنها إذا حذفت انجزم الفعل بعدها بما قبلها لما تضمنه من معنى الشرط ، إلا فى النفى ، فإنّ ذلك لا يجوز. «قلت : قد سبق الزمخشرىّ إلى هذه العبارة أبو إسحاق الزجاج شيخ الجماعة ، قال أبو إسحاق : نصب على الجواب بالواو فى التمنى ، كما تقول : «ليتك تصير إلينا ونكرمك» ، المعنى : ليت مصيرك يقع ، وإكرامنا ، ويكون المعنى : ليت ردّنا وقع وألّا نكذب». وأما كون الواو ليست بمعنى الفاء فصحيح ، على ذلك جمهور النحاة ، إلّا أنى رأيت أبا بكر ابن الأنبارى خرج النصب على وجهين :
أحدهما : أن الواو بمعنى الفاء. قال أبو بكر : فى نصب «نكذّب» وجهان :
أحدهما : أن الواو مبدلة من الفاء ، والتقدير : يا ليتنا نردّ فلا نكذّب ونكون ، فتكون الواو هنا بمنزلة الفاء فى قوله : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) توكيد هذا قراءة ابن مسعود وابن أبى إسحاق : «يا ليتنا نردّ فلا نكذّب». بالفاء منصوبا.
والوجه الآخر : النصب على الظرف ، ومعناه الحال ، أى : يا ليتنا نردّ غير مكذبين. وأما قراءة ابن عامر برفع الأول ، ونصب الثانى فظاهرة مما تقدم ؛ لأن الأول يرتفع على حد ما تقدم من التأويلات ، وكذلك نصب الثانى يتخرج على ما تقدم ويكون قد أدخل عدم التكذيب فى التمنى أو استأنفه ، إلّا أن المنصوب يحتمل أن يكون من تمام قوله : «نردّ» ، أى : تمنوا الرّدّ مع كونهم من المؤمنين. وهذا ظاهر إذا جعلنا «ولا نكذّب» معطوفا على «نردّ» أو حالا منه. وأما إذا جعلنا «ولا نكذّب» مستأنفا فيجوز ذلك أيضا ، ولكن على سبيل الاعتراض ، ويحتمل أن يكون من تمام «ولا نكذّب» أى : لا يكون منا تكذيب مع كوننا من المؤمنين ، ويكون قوله : «ولا نكذّب حينئذ على حاله ، أعنى من احتماله العطف على «نردّ» ، أو الحالية ، أو الاستئناف ، ولا يخفى حينئذ دخول كونهم من المؤمنين فى التمنى ، وخروجه منه بما قررته لك.
وقرئ شاذّا عكس قراءة ابن عامر ، أى : بنصب «نكذّب» ، ورفع «نكون» ، وتخريجها على ما تقدم ، إلا أنها يضعف فيها جعل «وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» حالا ، لكونه مضارعا مثبتا إلّا بتأويل بعيد ، كقوله :
......... |
|
نجوت وأرهنهم مالكا |
أى : وأنا أرهنهم ، وقولهم : قمت وأصك عينه ، ويدل على حذف هذا المبتدأ قراءة أبىّ : «ونحن نكون من المؤمنين». ينظر الدر المصون (٣ / ٣٧ ـ ٤٠).