تأتينا فتحدّثنا» كما يقال : «ما تأتينا فتحدّثنا». فجواز هذا وأمثاله متفق عليه.
وزاد الكوفيون إجراء التشبيه مجرى النفى نحو : «كأنّك أمير فنطيعك» ؛ لأن فيه معنى : ما أنت أمير فنطيعك.
وكذلك أجروا الحصر بـ «إنّما» كقولهم : «إنّما هى ضربة من الأسد فتحطم ظهره» ؛ وعليه قراءة ابن عامر (١) : «فإنّما يقول له كن فيكون».
__________________
(١) قرأ ابن عامر «فيكون» نصبا هنا ، وفى الأولى من آل عمران ، وهى : «كن فيكون. ونعلمه ؛ تحرزا من قوله : «كن فيكون. الحق من ربك» وفى مريم : «كن فيكون. وإن الله ربى» ، وفى غافر : «كن فيكون. ألم تر إلى الذين يجادلون» ، ووافقه الكسائى على ما فى النحل ، ويس ، وهى : «أن يقول له كن فيكون» أما آيتا النحل ويس فظاهرتان ؛ لأن ما قبل الفعل منصوب فيصح عطفه عليه.
وأما ما انفرد به ابن عامر فى هذه المواضع الأربعة فقد اضطرب كلام الناس فيها ، وهى لعمرى تحتاج فضل تأمل ، ولذلك تجرأ بعض الناس على هذا الإمام الكبير ، فقال ابن مجاهد : قرأ ابن عامر «فيكون» نصبا ، وهذا غير جائز فى العربية ، لأنه لا يكون الجواب هنا للأمر بالفاء إلا فى يس والنحل ، فإنه نسق لا جواب ، وقال فى آل عمران : قرأ ابن عامر وحده : «كن فيكون» بالنصب ، وهو وهم قال : «وقال هشام : كان أيوب بن تميم يقرأ : فيكون نصبا ، ثم رجع فقرأ فيكون رفعا وقال الزجاج : كن فيكون : رفع لا غير».
وأكثر ما أجابوا بأن هذا مما روعى فيه ظاهر اللفظ من غير نظر للمعنى ، يريدون أنه قد وجد فى اللفظ صورة أمر فنصبنا فى جوابه بالفاء ، وأما إذا نظرنا إلى جانب المعنى ، فإن ذلك لا يصح لوجهين :
أحدهما : أن هذا ؛ وإن كان بلفظ الأمر فمعناه الخبر ، نحو : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ) أى : فيمدّ وإذا كان معناه الخبر لم ينتصب فى جوابه بالفاء إلا ضرورة كقوله :
سأترك منزلى لبنى تميم |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا |
وقول الآخر :
لنا هضبة لا ينزل الذّلّ وسطها |
|
ويأوى إليها المستجير فيعصما |
والثانى : أن من شروط النصب بالفاء فى جواب الأمر أن ينعقد منها شرط جزاء نحو : «ائتنى فأكرمك» تقديره : إن أتيتنى أكرمتك ، وههنا لا يصح ذلك إذ يصير التقدير : إن تكن تكن فيتحد فعلا الشرط والجزاء معنى وفاعلا ، وقد علمت أنه لا بد من تغايرهما ، وإلا يلزم أن يكون الشىء شرطا لنفسه وهو محال ، قالوا : والمعاملة اللفظية واردة فى كلامهم ، نحو ؛ (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا) ، (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) ، وقال عمر بن أبى ربيعة :
فقلت لجنّاد خذ السّيف واشتمل |
|
عليه برفق وارقب الشّمس تغرب |
وأسرج لى الدّهماء واذهب بممطرى |
|
ولا يعلمن خلق من النّاس مذهبى |
فجعل «تغرب» جوابا لـ «ارقب» ، وهو غير مترتب عليه ، وكذلك لا يلزم من قوله تعالى أن يفعلوا ، وإنما ذلك مراعاة لجانب اللفظ. ـ