وإذا كان الجواب ماضيا لفظا لا معنى ، لم يجز اقترانه بالفاء إلا فى وعد أو وعيد ، لأنه إذا كان وعدا أو وعيدا حسن أن يقدر ماضى المعنى ، فعومل معاملة الماضى حقيقة.
ومثال الماضى حقيقة قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [يوسف : ٢٦].
__________________
ـ مقام ذكر» ولم يرتض هذا من أبى عمرو المفسرون وأهل اللسان ، بل لم يصحّحوا رواية ذلك عنه لمعرفتهم بمكانته من العلم ؛ وردّوه على قائله من وجوه منها : أن الفصاحة تقتضى مقابلة الضلال ـ المراد به النسيان ـ بالإذكار والتذكير ، ولا تناسب فى المقابلة بالمعنى المنقول عنه ، ومنها : أنّ النساء لو بلغن ما بلغن من العدد لا بد معهنّ من رجل يشهد معهنّ ، فلو كان ذلك المعنى صحيحا لذكّرتها بنفسها من غير انضمام رجل ، هكذا ذكروا ، وينبغى أن يكون ذلك فيما يقبل فيه الرجل مع المرأتين ، وإلّا فقد نجد النساء يتمحّضن فى شهادات من غير انضمام رجل إليهنّ ، ومنها : أنها لو صيّرتها ذكرا لكان ينبغى أن يكون ذلك فى سائر الأحكام ، ولا يقتصر به على ما فيه ... وفيه نظر أيضا ، إذ هو مشترك الإلزام لأنه يقال : وكذا إذا فسّرتموه بالتذكير بعد النسيان لم يعمّ الأحكام كلّها ، فما أجيب به فهو جوابهم أيضا.
وقال الزمخشرى : «ومن بدع التفاسير : «فتذكّر» فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا ، يعنى أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذّكر» انتهى. ولم يجعل هذا القول مختصّا بقراءة دون أخرى.
وأما نصب الراء فنسق على «أن تضلّ» لأنّهما يقرآن : «أن تضلّ» بـ «أن» الناصبة ، وقرأ الباقون بتشديد الكاف من «ذكّرته» بمعنى جعلته ذاكرا أيضا ، وقد تقدّم أنّ حمزة وحده هو الذى يرفع الراء.
وخرج من مجموع الكلمتين أنّ القرّاء على ثلاث مراتب : فحمزة وحده : «إن تضلّ فتذكّر» بكسر «إن» وتشديد الكاف ورفع الراء ، وأبو عمرو وابن كثير بفتح «أن» وتخفيف الكاف ونصب الراء ، والباقون كذلك ، إلا أنهم يشدّدون الكاف.
والمفعول الثانى محذوف أيضا فى هذه القراءة كما فى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ، وفعّل وأفعل هنا بمعنى ، نحو : أكرمته وكرّمته ، وفرّحته وأفرحته. قالوا : والتشديد فى هذا اللفظ أكثر استعمالا من التخفيف ، وعليه قوله :
على أنّنى بعد ما قد مضى |
|
ثلاثون للهجر حولا كميلا |
يذكّرنيك حنين العجول |
|
ونوح الحمامة تدعو هديلا |
وقرأ عيسى بن عمر والجحدرى : «تضلّ» مبنيّا للمفعول ، وعن الجحدرى أيضا : «تضلّ» بضم التاء وكسر الضاد من أضلّ كذا أى : أضاعه ، والمفعول محذوف أى : تضلّ الشهادة.
وقرأ حميد بن عبد الرحمن ومجاهد : «فتذكر» برفع الراء وتخفيف الكاف ، وزيد بن أسلم : «فتذاكر» من المذاكرة. ينظر الدر المصون (١ / ٦٧٦ ـ ٦٧٩).