ومثال الماضى لفظا لا معنى ـ مقرونا بالفاء ـ قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠].
وإلى هذا أشرت بقولى :
ولا يلى الفا الماضى الاتى معنى |
|
إلا لوعد أو وعيد يعنى |
ويجوز أن تكون الفاء عاطفة ، ويكون التقدير : ومن جاء بالسيئة ، فكبت وجوههم فى النار ، فيقال لهم : هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] أى : فيقال لهم : أكفرتم.
وإذا كان الجواب جملة اسمية ، أو فعلية لا تلى حرف الشرط ، وجب اقترانها بالفاء ليعلم ارتباطها بالأداة ، فإن ما لا يصلح للارتباط مع الاتصال ، أحق بأن لا يصلح مع الانفصال ، فإذا قرن بالفاء علم الارتباط.
والفعلية التى لا تلى حرف الشرط هى التى فعلها غير متصرف نحو : (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ) [الكهف : ٤٠].
أو ماض لفظا ، ومعنى نحو : (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٧٧].
أو مطلوب به فعل أو ترك ؛ نحو : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران : ٣١] ونحو : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه : ١١٢] فى رواية ابن كثير (١).
ومما يجب اقترانه بالفاء لأنه لا يلى حرف الشرط الفعل المقرون بالسين ، أو سوف ، والمنفى بـ «لن» أو «ما» أو «إن».
__________________
(١) «فلا يخاف» قرأ ابن كثير (بجزمه) على النهى ، والمعنى : أمن ، والنهى عن الخوف أمر بالأمن. والباقون : برفعه على النفى والاستئناف ، أى : فهو لا يخاف. والهضم : النقص تقول العرب : هضمت لزيد من حقى أى : نقصت منه ، ومنه : هضيم الكشحين أى :
ضامرهما ، ومن ذلك أيضا ، «طلعها هضيم» أى : دقيق متراكب كأنّ بعضه يظلم بعضا فينقصه حقه. ورجل هضيم ومهتضم أى : مظلوم. وهضمته واهتضمته وتهّضمته عليه بمعنى ، قال المتوكل الليثى :
إنّ الأذلّة واللّئام لمعشر |
|
مولاهم المتهضّم المظلوم |
قيل : والظلم والهضم متقاربان وفرّق القاضى الماوردى بينهما فقال : الظلم منع جميع الحق ، والهضم منع بعضه. والظلم هنا هو أن يعاقب لا على جريمة أو يمنع من الثواب على الطاعة. والهضم هو أن ينقص من ثوابه. وقال أبو مسلم : الظلم أن ينقص من الثواب ، والهضم ألا يوفى حقه. ينظر : اللباب (١٣ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧).