__________________
ـ زيدا عقله» ، وهذا البدل واقع فى الأفعال وقوعه فى الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان».
قال الشيخ : «وفيه بعض مناقشة : أمّا الأول فقوله : «ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب» وليس العذاب والغفران تفصيلا لجملة الحساب ؛ لأنّ الحساب إنما هو تعداد حسناته وسيئاته وحصرها ، بحيث لا يشذّ شىء منها ، والغفران والعذاب مترتبان على المحاسبة ، فليست المحاسبة مفصلة بالغفران والعذاب. وأما ثانيا فلقوله بعد أن ذكر بدل البعض من الكل وبدل الاشتمال : «وهذا البدل واقع فى الأفعال وقوعه فى الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان» أما بدل الاشتمال فهو يمكن ، وقد جاء لأنّ الفعل يدلّ على الجنس وتحته أنواع يشتمل عليها ، ولذلك إذا وقع عليه النفى انتفت جميع أنواعه ، وأما بدل البعض من الكل فلا يمكن فى الفعل إذ الفعل لا يقبل التجزؤ ، فلا يقال فى الفعل له كل وبعض إلا بمجاز بعيد ، فليس كالاسم فى ذلك ، ولذلك يستحيل وجود بدل البعض من الكل فى حق الله تعالى ، إذ البارى تعالى لا يتقسم ولا يتبعض.
قلت : ولا أدرى ما المانع من كون المغفرة والعذاب تفسيرا أو تفصيلا للحساب ، والحساب نتيجته ذلك ، وعبارة الزمخشرى هى بمعنى عبارة ابن جنى.
وأما قوله : «إن بدل البعض من الكل فى الفعل متعذر ؛ إذ لا يتحقق فيه تجزّؤ» ـ فليس بظاهر ؛ لأن الكلية أو البعضية صادقتان على الجنس ونوعه ؛ فإنّ الجنس كلّ والنوع بعض.
وأما قياسه على البارى تعالى فلا أدرى ما الجامع بينهما؟ وكان فى كلام الزمخشرى ما هو أولى بالاعتراض عليه ، فإنه قال : «وقرأ الأعمش : «يغفر» بغير فاء مجزوما على البدل من «يحاسبكم» كقوله :
متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا |
وهذا فيه نظر ؛ لأنه لا يطابق ما ذكره بعد ذلك ـ كما تقدم حكايته عنه ـ لأن البيت قد أبدل فيه من فعل الشرط لا من جوابه ، والآية قد أبدل فيها من نفس الجواب ، ولكنّ الجامع بينهما كون الثانى بدلا مما قبله وبيانا له.
وقرأ أبو عمرو بإدغام الراء فى اللام ، والباقون بإظهارها. وأظهر الباء قبل الميم هنا ابن كثير بخلاف عنه ، وورش عن نافع ، والباقون بالإدغام. وقد طعن قوم على قراءة أبى عمرو ؛ لأن إدغام الراء فى اللام عندهم ضعيف.
قال الزمخشرى : فإن قلت : كيف يقرأ الجازم؟ قلت : يظهر الراء ويدغم الباء ، ومدغم الراء فى اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا ، وراويه عن أبى عمرو مخطئ مرتين ؛ لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم ؛ والسبب فى هذه الروايات قلة ضبط الرواة ، وسبب قلة الضبط قلة الدراية ، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو. قلت : وهذا من أبى القاسم غير مرضىّ ؛ إذ القرّاء معنيّون بهذا الشأن. لأنهم تلقوا عن شيوخهم الحرف بعد الحرف ، فكيف يقل ضبطهم؟ وهو أمر يدرك بالحسّ السمعى ، والمانع من إدغام الراء فى اللام والنون هو تكرير الراء وقوتها ، والأقوى لا يدغم فى الأضعف ، وهذا مذهب البصريين : الخليل وسيبويه ومن تبعهما ، وأجاز ذلك الفراء والكسائى والرؤاسى ويعقوب الحضرمى ورأس البصريين أبو عمرو ، وليس قوله : «إن هذه الرواية غلط عليه» بمسلّم.
ينظر : الدر المصون (١ / ٦٩٠ ـ ٦٩٢).