ولما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالا ، ومن قبل اللفظ أسماء ، جعل لها تعريف ، وتنكير :
فعلامة تعريف المعرفة منها : تجرده عن التنوين.
وعلامة تنكير النكرة منها : استعماله منونا.
ولما كان من الأسماء المحضة ما يلازم التعريف كالمضمرات ، وأسماء الإشارة ، وما يلازم التنكير كـ «أحد» و «عريب» ، وما يعرف وقتا ، وينكر وقتا «رجل» و «فرس» ، جعلوا هذه الأسماء كذلك ، فألزموا بعضها التعريف كـ «نزال» و «بله» و «آمين» ، وألزموا بعضها التنكير كـ «واها» و «ويها» ، واستعملوا بعضها بوجهين : فنون مقصودا تنكيره ، وجرد مقصودا تعريفه كـ «صه وصه» و «أفّ وأفّ».
ثم أشرت إلى ما يؤمن من غلط وقع فيه بعض النحويين بقولى :
وليس منها ما يرى محتملا |
|
ضمير رفع بارزا متّصلا |
وذلك أن من النحويين من جعل من أسماء الأفعال «هات» و «تعال» وإنما هما فعلان غير متصرفين ؛ والدليل على فعليتهما وجوب اتصال ضمير الرفع البارز بهما ، كقولك للأنثى : «هاتى» و «تعالى» ، وللاثنين والثنتين : «هاتيا» و «تعاليا» ، وللجماعتين : «هاتوا» ، و «تعالوا» ، و «هاتين» و «تعالين».
فعوملا هذه المعاملة الخاصة بالأفعال ، مع أنهما على وزنين مختصين بالأفعال ، ومدلولهما كمدلولات الأفعال ؛ فهما بالفعلية أحق من «عسى» و «ليس» ؛ لأن مدلوليهما كمدلول : «لعلّ» و «ما» ، وقد ألحقا بالأفعال لاتصال الضمائر بهما.
على أن بعض العرب يصرف «هات» فيقول : هاتى ، يهاتى ، مهاتاة ؛ ذكر ذلك الجوهرى.
وأما «هلمّ» : فاسم فعل على لغة الحجازيين ، وفعل على لغة بنى تميم ؛ لأن الحجازيين لا يبرزون فاعلها فى التأنيث والتثنية والجمع ، وبنو تميم يبرزونه فيقولون : «هلمّى» و «هلمّا» و «هلمّوا» و «هلممن» ، ويؤكدونه بالنون ؛ نحو : «هلمّنّ» ؛ قال سيبويه (١) : «وقد تدخل الخفيفة والثقيلة ـ يعنى فى «هلمّ» ـ فى لغة بنى تميم» ، قال : «لأنها عندهم بمنزلة : «ردّ» و «ردّا» و «ردّى» و «ارددن» ؛ كما تقول :
__________________
(١) ينظر : الكتاب (٣ / ٥٢٩).