عليه (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] أي لم يظهر الاختبار منهم إلَّا هذا القول.
وقوله جلّ وعَزّ مُخبرا عن الملكين هاروت وماروت (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البقرة : ١٠٢] معناها إنما نحن ابتلاء واختبار لكم ، وقوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [يونس : ٨٥] يقول : لا تظهرْهم علينا فيُعْجَبوا ويظنوا أنهم خيرٌ منا ، فالفتنةُ ههنا إعجابُ الكفار بكفرهم ، والفتنةُ القَتلُ ومنه قول الله جلَّ وعزّ : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء : ١٠١] ، وكذلك قوله في سورة يونس : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) [يونس : ٨٣]. يفتنهم أي يقتلهم ، وأما قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إني أرى الفِتن خِلالَ بيوتكم» فإنه يكون القتلَ والحروبَ والاختلافَ الّذي يكون بين فرق المسلمين إذا تَحَزَّبَوا ويكون ما يُبْلَوْنَ به من زينة الدنيا وشهواتها فيُفْتنونَ بذلك عن الآخرة ، والعمل لها.
وقوله عليه الصلاة والسلام : «ما تركتُ فِتنةً أضرَّ على الرجال من النساء».
يقول : أخاف أن يُعْجَبُوا بهن فيشتغلوا عن الآخرة والعملِ لها.
وأخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحَرْبي أنه قال : يقال : فُتِنَ الرجلُ بالمرأة وافْتَتَنَ.
قال : وأهل الحجاز يقُولون : فَتَنَتْه المرأةُ وأهل نجد يقولون : أفْتَنَتْهُ.
وقال الشاعر فجاء باللُّغَتَين :
لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهْيَ بالأمْس أَفْتَنَتْ |
سَعيدا فأَمْسى قَدْ قَلا كل مُسْلِمِ |
وكان الأصمعيّ يُنكر أَفْتَنَتْ ، وذُكِر له هذا البيت فلم يَعْبأْ به ؛ وأكثرُ أهلِ اللغةِ أجازوا اللُّغَتَيْن.
ورَوَى الزجاج عن المفسرين في قول الله جلّ وعزّ : (فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ) [الحديد : ١٤]. أي استعملتموها في الفتنة ، وقيل : أنَمْتموها ، قال : والفِتْنَةُ الإضلالُ في قوله : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣)) [الصافات : ١٦٢ ، ١٦٣] يقول : ما أنتم بمِضلِّين إلا من أضَلَّه الله أي لَسْتُم تُضِلُّون إلا من أضله الله أي لستم تضلون إلا أهل النار الذين سبق علمه بهم في ضلالتهم ، والفِتنَةُ الجنونُ ، وكذلك الفُتون ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥)) [القلم : ٤ ، ٥].
قال أبو إسحاق : مَعْنى المفتون الّذي فُتِن بالجنون.
قال وقال أبو عبيدة : معنى البَاء الطرح كأنه قال أيُّكم المفتون.
قال أبو إسحاق : ولا يجوز أن تكون الباءُ لَغْوا ولا ذلك جائز في العربية ، وفيه