الهوى ، وأرضعتهم أُمّهات الضلال ، وشاخلتهم (١) رجالات الفساد ، وتمثّلوا في الملأ بشراً سويّا ، وسجيّتهم الضلال ، فجاسوا خلال الديار وضلّوا وأضلّوا واتّبعوا سبيل الغيِّ وصدّوا عن سبيل الله ، ومن أُولئك الجماهير القصيميّ صاحب الصراع ، حذا حذو ابن تيميّة واتّخذ وتيرته واتّبع هواه ، فجاء في القرن العشرين كشيخه يموِّه ، ويدجِّل ، ويتسدّج (٢) ، ويتحرّش بالسباب المقذع ، ويقذف مخالفيه بالكفر والردّة ، ويرميهم بكلِّ معرّة ومسبّة ، ويُري المجتمع أنَّ هاتيك الأعمال من الزيارة والدعاء عند القبور المشرّفة والصلاة لديها والتبرّك والتوسّل والاستشفاع بها كلّها من آفات الشيعة ، وهم بذلك ملعونون خارجون عن ربقة الإسلام ، وبسط القول في هذه كلّها بألسنة حداد مقذعاً مستهتراً خارجاً عن أدب المناظرة والجدال ، قال في الصراع (١ / ٥٤):
وبهذا الغلوّ الذي رأيت من طائفة الشيعة في أئمّتهم ، وبهذا التأليه الذي سمعت منهم لعليّ وولده ، عبدوا القبور وأصحاب القبور ، وأشادوا المشاهد ، وأتوها من كلّ مكانٍ سحيق وفجٍّ عميق ، وقدّموا لها النذور والهدايا والقرابين ، وأراقوا فوقها الدماء والدموع ، ورفعوا لها خالص الخضوع والخشوع ، وأخلصوا لها ذلك وخصّوها به دون الله ربِّ الموحِّدين.
وقال في (١ / ١٧٨) : الأشياء المشروعة كالصلاة والسلام على الرسول الكريم لا فرق فيها بين القرب والنأي ، فإنَّها حاصلة في الحالتين ، وأمّا مشاهدة القبر الشريف نفسه ، ومشاهدة الأحجار نفسها ، فلا فضل فيها ولا ثواب بلا خلاف بين علماء الإسلام ، بل إنَّ مشاهدته ـ عليه الصلاة والسلام ـ حينما كان حيّا لا فضل لها بذاتها ، وإنَّما الفضل في الإيمان به والتعلّم منه والاقتداء به والنهج منهجه ومناصرته ، وبالإجمال إنَّ أحداً من الناس لن يستطيع أن يثبت لزيارة القبر الشريف فضلاً ما ،
__________________
(١) الشَّخْل : الصفيّ والصديق ، وشاخله : اتّخذه صفيّا وصديقاً.
(٢) التسدُّج : الكذب وتقوّل الأباطيل.