عائشة كيفيّة السلام على أهل البقيع ، وخروجه إلى قبور الشهداء (١). ثمّ قال :
الرابع : الإجماع لإطباق السلف والخلف ، فإنَّ الناس لم يزالوا في كلّ عام ، إذا قضوا الحجّ ، يتوجّهون إلى زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومنهم من يفعل ذلك قبل الحجّ ، هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا ، وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة كما ذكرناه في الباب الثالث. وذلك أمر لا يُرتاب فيه ، وكلّهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه وإن لم يكن طريقهم ، ويقطعون فيه مسافة بعيدة وينفقون فيه الأموال ويبذلون فيه المهج ، معتقدين أنَّ ذلك قربة وطاعة ، وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على ممرّ السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل أن يكون خطأ ، وكلّهم يفعلون ذلك على وجه التقرّب به إلى الله ، ومن تأخّر عنه من المسلمين ، فإنَّما يتأخّر بعجز أو تعويق المقادير مع تأسّفه عليه وودِّه لو تيسّر له ، ومن ادّعى أنَّ هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطئ.
٢٠ ـ قال زين الدين أبو بكر بن الحسين بن عمر القريشي العثماني المصري المراغي المتوفّى (٨١٦) في تحقيق النصرة في تاريخ دار الهجرة (٢) :
وينبغي لكلّ مسلم اعتقاد كون زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم قربةً عظيمةً ؛ للأحاديث الواردة في ذلك ، ولقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ). الآية. لأنّ تعظيمه لا ينقطع بموته ، ولا يقال : إنَّ استغفار الرسول لهم إنَّما هو في حياته وليست الزيارة كذلك ، لِما أجاب به بعض الأئمّة المحقِّقين أنَّ الآية دلّت على تعليق وجدان الله تعالى توّاباً رحيماً بثلاثة أمور : المجيء ، واستغفارهم ، واستغفار الرسول لهم. وقد حصل استغفار الرسول لجميع المؤمنين ؛ لأنَّه قد استغفر
__________________
(١) أخرجه أبو داود في سننه : ١ / ٣١٩ [٢ / ٢١٨ ح ٢٠٤٣]. (المؤلف)
(٢) تحقيق النصرة في تاريخ دار الهجرة : ص ١٠٢.