في تعظيمه وتوقيره والأدب معه ، وما كانت الصحابة يعاملونه به من ذلك ، امتلأ قلبه إيماناً ، واحتقر هذا الخيال الفاسد ، واستنكف أن يصغي إليه والله تعالى هو الحافظ لدينه ، ومن يهدِ الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ، وعلماء المسلمين متكفّلون بأن يبيّنوا للناس ما يجب من الأدب والتعظيم والوقوف عند الحدّ الذي لا يجوز مجاوزته بالأدلّة الشرعيّة ، وبذلك يحصل الأمر من عبادة غير الله تعالى ، ومن أراد الله ضلاله من أفراد من الجهّال فلن يستطيع أحد هدايته ، فمن ترك شيئاً من التعظيم المشروع لمنصب النبوّة زاعماً بذلك الأدب مع الربوبيّة فقد كذب على الله تعالى وضيّع ما أمر به في حقّ رسله ، كما أنَّ من أفرط وجاوز الحدّ إلى جانب الربوبيّة فقد كذب على رسل الله وضيّع ما أمروا به في حقّ ربّهم سبحانه وتعالى ، والعدل حفظ ما أمر الله به في الجانبين ، وليس في الزيارة المشروعة من التعظيم ما يفضي إلى محذور.
وعقد (١) في (ص ٧٥ ـ ٨٧) باباً في كون السفر إلى الزيارة قربةً ، وبسط القول فيه وأثبته بالكتاب والسنّة والإجماع والقياس ، واستدلَّ عليه من الكتاب بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٢). بتقريب صدق المجيء وعدم الفرق بين حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم ومماته.
ومن السنّة بعموم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من زار قبري» ، وصريح صحيحة ابن السكن : «من جاءني زائراً لا تعمله حاجة إلاّ زيارتي» ، وبما دلَّ من السنّة على خروج النبيّ من المدينة لزيارة القبور ، وإذا جاز الخروج إلى القريب جاز إلى البعيد ، فقد ثبت في الصحيح خروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى البقيع (٣) بأمر من الله تعالى وتعليم
__________________
(١) شفاء السقام : ص ١٠٠ ـ ١١٧.
(٢) النساء : ٦٤.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [٢ / ٣٦٣ ح ١٠٢ كتاب الجنائز]. (المؤلف)