وقد أطلق بعض المالكيّة ، وهو أبو عمران الفاسي ـ كما ذكره في المدخل (١) عن تهذيب الطالب لعبد الحقّ ـ : أنَّها واجبة. قال : ولعلّه أراد وجوب السنن المؤكّدة ، وقال القاضي عياض (٢) : إنَّها من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغَّب فيها.
ثمّ ذكر جملةً من الأحاديث الواردة في زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور كما حكاه النووي (٣) ، وأوجبها الظاهريّة ، فزيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم مطلوبة بالعموم والخصوص كما سبق ، ولأنَّ زيارة القبور تعظيم ، وتعظيمه صلىاللهعليهوآلهوسلم واجب ، ولهذا قال بعض العلماء : لا فرق في زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الرجال والنساء ، وإن كان محل الإجماع على استحباب زيارة القبور للرجال ، وفي النساء خلاف ، الأشهر في مذهب الشافعي الكراهة.
قال ابن حبيب من المالكيّة : ولا تدع زيارة قبره صلىاللهعليهوآلهوسلم والصلاة في مسجده ؛ فإنَّ فيه من الرغبة ما لا غنى بك ولا بأحد عنه ، وينبغي لمن نوى الزيارة أن ينوي مع ذلك زيارة مسجده الشريف والصلاة فيه ، لأنَّه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشدّ الرحال إلاّ إليها ، وهو أفضلها عند مالك ، وليس لشدّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة فضل ؛ لأنَّ الشرع لم يجئ به ، وهذا الأمر لا يدخله قياس ؛ لأنّ شرف البقعة إنَّما يُعرف بالنصّ الصريح عليه ، وقد ورد النصُّ في هذه دون غيرها.
وقد صحَّ أنّ عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد للسلام على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فالسفر إليه قربة لعموم الأدلّة. ومن نذر الزيارة وجبت عليه كما جزم به ابن كج من أصحابنا ، وعبارته : إذا نذر زيارة قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لزمه الوفاء وجهاً واحداً. انتهى. إلى أن قال :
وللشيخ تقيّ الدين ابن تيميّة هنا كلام شنيع عجيب يتضمّن منع شدِّ الرحال
__________________
(١) المدخل : ١ / ٢٥٦.
(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ٢ / ١٩٤.
(٣) شرح صحيح مسلم : ٧ / ٤١.