أمير المؤمنين عليهالسلام وعزوُها إلى الغلوّ ، مستنداً إلى إحالة طيّ هذه المسافة البعيدة في هذا الوقت اليسير ، ولو عقل المسكين أنَّ هاتيك الإحالة على فرضها عاديّة لا عقليّة ، وإلاّ لما صحَّ حديث المعراج ـ ولم يكن إلاّ جسمانيّا ـ المتواتر المعدود من ضروريّات الدين ، ولا صحّت قصّة آصف بن برخيا المحكيّة في القرآن الكريم ، ولما تمكّن عفريتٌ من الجنّ من أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يقوم سليمان من مقامه ، ولم يردّه سليمان ولا الذكر الحكيم ، غير أنَّ سليمان أراد ذلك بأسرع منه ، وشمول القدرة الإلهيّة على التسيير الحثيث والبطيء شرع سواء ، كما أنَّها بالنسبة إلى كليّة الأمور الصعبة والسهلة كذلك ، فقد يكرِّم الله الوليّ المقرَّب بإقداره على أشياء لم يقدر عليه من هو دونه ، وقد خلق الله الناس أطواراً ، فتراهم متفاوتين في القدرة ، فيقوى هذا على ما لا يقوى عليه ذاك ، وليس لقدرة الله سبحانه حدّ محدود.
ومن هنا وهناك اختلفت عاديّات الموجودات في شئونها وأطوارها ، فالمسافة التي يطويها الفارس في أمد محدود غير ما يطويه الراجل ، وللسيّارات البخاريّة عدوٌ مُربٍ على الجميع ؛ وإنَّك تستصغر ذلك العدو إذا قسته بالطائرات الجويّة لأنَّك تجدها تطوي في خمس ساعات مثلاً ما تطويه الناس في خمسة أشهر.
وهذه طيّارة مستكشفة (بريجيه ١٩) ، تحرّكت من باريس في صباح (٢٤) أبريل سنة (١٩٢٤) فوصل في المساء إلى بخارست بعد أن قطع (١٢٥٠) ميلاً في (١١) ساعة ، وفي اليوم التالي أضاف إليها (٧٧٠) ميلاً أخرى ، ولم تمض عليه خمسة أيّام حتى كان قد وصل إلى الهند ، وقطع مسافة قدرها (٣٧٣٠) ميلاً ؛ وقد وصلت سرعة الطيّارات إلى ما فوق (١٥٠) ميلاً في الساعة الواحدة ؛ وتحارب البعض منها في ارتفاع بلغ (٢٢٠٠٠) قدم (١).
__________________
(١) بسائط الطيران : ص ٨٢ ، ١١٨. (المؤلف)