ناشدتك الله إلاّ فعلتَ ما أقول لك ، قلت : نعم. قال : ضع خرقتي في عنقي واسحبني على وجهي ونادِ عليَّ : هذا جزاء من تعرّض على الله سبحانه.
قال : فوضعت الخرقة في عنقه وهممت بسحبه ، وإذا هاتف يقول : يا عليّ دعه ، فقد ضجّت عليه ملائكة السماء باكية عليه وسائلةً فيه ، وقد رضي الله عنه. قال : فأُغمي عليَّ ساعة ثمّ سرّي عنّي ، وإذا أنا بين يدي خالي في خلوته ، والله ما أدري كيف ذهبت ولا كيف جئت. مرآة الجنان (٣ / ٤١١).
٦ ـ حكى الشيخ الصالح غانم بن يعلى التكريتي ، قال : سافرت مرّة من اليمن في البحر المالح ، فلمّا توسّطنا بحر الهند وغلب علينا الريح ، أخذتنا الأمواج من كلّ جانب ، وانكسرت بنا السفينة فنجوت على لوح منها ، فألقاني إلى جزيرة فطُفت فيها فلم أر فيها أحداً ، وإذا هي كثيرة الخيرات ، رأيت فيها مسجداً فدخلته ، فإذا فيه أربعة نفر فسلّمت عليهم ، فردّوا عليَّ السلام ، وسألوني عن قصّتي فأخبرتهم ، وجلست عندهم بقيّة يومي ذلك ، فرأيت من توجّههم وحسن إقبالهم على الله تعالى أمراً عظيما ، فلمّا كان وقت العشاء دخل الشيخ حيوة الحرّاني ، فقاموا يبادرون إلى السلام عليه ، فتقدّم وصلّى بهم العشاء ، ثم استرسلوا في الصلاة إلى طلوع الفجر ، فسمعت الشيخ حيوة يناجي ويقول : إلهي لا أجد لي في سواك مطمعاً ... إلى آخر الدعاء.
ثمّ قال : بكى بكاءً شديداً ، ورأيت الأنوار قد حفّت بهم ، وأضاء ذلك المكان كإضاءة القمر ليلة البدر ، ثمّ خرج الشيخ حيوة من المسجد وهو يقول :
سيرُ المحبِّ إلى المحبوبِ إعجالُ |
|
والقلبُ فيه من الأحوالِ بلبالُ |
أطوي المحانة من قفر على قدمٍ |
|
إليك يدفعني سهلٌ وأجبالُ |
فقال لي أولئك النفر : اتبع الشيخ ، فتبعته ، وكانت الأرض برّها وبحرها