بغداد؟ قال : أربعون فرسخاً ، فقلت. إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، أيش عملت في نفسي؟ وليس معي ما أكتري ولا أقدر على المشي ، فقال لي : اجلس حتى يرجع ، فجلست إلى الجمعة القابلة ، فجاء بشر في ذلك الوقت ومعه شيء ، فأعطاه إلى المريض فأكله ، فقال له العليل : يا أبا نصر هذا الرجل صحبك من بغداد وبقي عندي منذ الجمعة فردّه إلى موضعه ، فنظر إليَّ كالمغضب وقال : لِمَ صحبتني؟ فقلت : أخطأت ، فقال : قم فامش ، فمشيت معه إلى قرب المغرب ، فلمّا قربنا قال : أين محلّتك من بغداد؟ فقلت : في موضع كذا ، قال : اذهب ولا تعد. تاريخ ابن عساكر (١) (٣ / ٢٣٦).
٥ ـ قال الشيخ الجليل أبو الحسن عليّ : كنت يوماً جالساً عند باب خلوة خالي الشيخ أحمد الرفاعي المتوفّى (٥٨٧) رضى الله عنه وليس فيها غيره ، وسمعت عنده حسّا ، فنظرت ، فإذا عنده رجلٌ ما رأيته قبل ، فتحدّثا طويلاً ثمّ خرج الرجل من كوّة في حائط الخلوة ، ومرَّ في الهواء كالبرق الخاطف ، فدخلت على خالي وقلت له : من الرجل؟ فقال : أوَرأيته؟ قلت : نعم ، قال : هو الرجل الذي يحفظ الله به قطر البحر المحيط ، وهو أحد الأربعة الخواصّ ، إلاّ أنّه هجر منذ ثلاث وهو لا يعلم.
فقلت له : يا سيّدي ما سبب هجره؟ قال : إنّه مقيمٌ بجزيرة في البحر المحيط ، ومنذ ثلاث ليال أمطرت جزيرته حتى سالت أوديتها ؛ فخطر في نفسه : لو كان هذا المطر في العمران. ثمّ استغفر الله تعالى ، فهجر بسبب اعتراضه ، فقلت له : أعلمته؟ قال : لا ، إنّي استحييت منه ، فقلت له : لو أذنتَ لي لأعلمته ، فقال : أوَتفعل ذلك؟ قلت : نعم ، فقال : رنّق ، فرنّقت (٢) ، ثمّ سمعت صوتاً : يا عليّ ارفع رأسك ، فرفعت رأسي من رنقي فإذا أنا بجزيرة في البحر المحيط ، فتحيّرت في أمري وقمت أمشي فيها ، فإذا ذلك الرجل ، فسلّمت عليه وأخبرته ، فقال :
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق : ١٠ / ٢٠٥ رقم ٨٨١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٥ / ١٩٩.
(٢) يقال : رنّق النوم في عينه إذا خالطها.