وما عذر العبّاس ـ عمّ النبيّ الطاهر ـ وبني هاشم في تخلّفهم عن تلك البيعة ، والصفح عن تلكم العهود المؤكّدة؟
٣٦ ـ وقبل هذه كلّها إباءة عليّ أمير المؤمنين تلك البيعة الانتخابية ، وحجاجه المفحم على أهلها ، قال ابن قتيبة : ثمّ إنّ عليّا ـ كرّم الله وجهه ـ أُتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله ، أخو رسول الله. فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم؟! فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حيّا وميّتاً ، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلاّ فبوءُوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال له عمر : إنّك لست متروكاً حتى تبايع ، فقال له عليّ : احلب حلباً لك شطره ، وشدّ له اليوم يمدده عليك غداً. ثمّ قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أُبايعه.
فقال أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أُكرهك. فقال أبو عبيدة بن الجراح لعليٍّ ـ كرّم الله وجهه ـ : يا ابن عم ، إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالاً واستطلالاً ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطُل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق ، في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
فقال عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ : الله الله يا معشر المهاجرين ألاّ تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين ، لنحن أحقّ الناس به لأنّا أهل