٣٧ ـ وما الذي سوّغ لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة أن يجعلوا للعبّاس عمّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بإيعاز من مغيرة بن شعبة نصيباً في الأمر يكون له ولعقبه من بعده؟
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (١) (١ / ١٥) : فأتى المغيرة بن شعبة ، فقال : أترى يا أبا بكر أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه ، وتكون لكما الحجّة على عليّ وبني هاشم إذا كان العبّاس معكم؟ قال : فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتى دخلوا على العبّاس رضى الله عنه ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ الله بعث محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم نبيّا وللمؤمنين وليّا ، فمنّ الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده ، فخلّى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متّفقين لا مختلفين ، فاختاروني عليهم والياً ولأُمورهم راعياً ، وما أخاف بحمد الله وهناً ولا حيرةً ولا جبناً ، وما توفيقي إلاّ بالله العليّ العظيم ، عليه توكّلت وإليه أُنيب ، وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ما اجتمعت عليه عامّة المسلمين ويتّخذونكم لحافاً ، فاحذروا أن تكونوا جهداً لمنيع ، فإمّا دخلتم فيما دخل فيه العامّة ، أو دفعتموهم عمّا مالوا إليه ، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك ولعقبك من بعدك إذ كنت عمّ رسول الله ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم ؛ على رسلكم بني عبد المطلب ، فإنّ رسول الله منّا ومنكم.
ثمّ قال عمر : إي والله وأخرى : إنّا لم نأتكم حاجةً منّا إليكم ، ولكنّا كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامّة ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا.
فتكلّم العبّاس فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الله بعث محمداً كما زعمت نبيّا وللمؤمنين وليّا ، فمنّ الله بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له ما عنده ، فخلّى الناس أمرهم
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٢١.