بصنوف الإحسان والنعم ، المتفرِّد بالعظمة والكبرياء والبقاء والقدم ، الذي اختصَّ الدار العزيزة ـ شيّد الله بناها ، وأشاد مجدها وعلاها ـ بالمحلِّ الأعظم والشرف الأقدم ، وجمع لها شرف البيت العتيق ذي الحرم ، إلى شرف بيت هاشم الذي هشم ، جاعل هذه الأيّام الزاهرة الناضرة ، والدولة القاهرة الناصرة ، عقداً فى جيد مناقبها ، وحليّا يجول على ترائبها ، أدامها الله تعالى ما انحدر لثام الصباح ، وبرح خفاء براح.
أحمده حمد معترفٍ بتقصيره عن واجب حمده ، مغترف من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وهو الغنيّ عن شهادة عبده ؛ وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذي صدع بأمره ، وجاء بالحقِّ من عنده ، صلّى الله عليه صلاةً تتعدّى إلى أدنى ولده وأبعد جدِّه ، حتى يصل عقبها إلى أقصى قصيّه ونزاره ومعدّه.
وبعد ؛ فلمّا كان الأجلّ السيّد الأوحد العالم ضياء الدين ، شمس الإسلام ، رضيّ الدولة ، عزّ الشريعة ، علم الهدى ، رئيس الفريقين ، تاج الملك ، فخر العلماء ، أحمد بن مسعود التركستاني ـ أدام الله علوّه ـ ممّن أعرق في الدين منسبه ، وتحلّى بعلوم الشريعة أدبه ، واستوى في الصحّة مغيبه ومشهده ، وشهد له بالأمانة لسانه ويده ، وكشف الاختبار منه عفّةً وسداداً ، وأبت مقاصده إلاّ أناة واقتصاداً ، رأى الإحسان إليه والتعويل عليه في التدريس بمشهد أبي حنيفة ـ رحمة الله عليه ـ ومدرسته ، وأسند إليه النظر في وقف ذلك أجمع لاستقبال حادي عشري ذي القعدة سنة أربع وستمائة الهلاليّة وما بعدها وبعدها ، وأمر بتقوى الله ـ جلّت آلاؤه وتقدّست أسماؤه ـ التي هي أزكى قربات الأولياء ، وأنمى خدمات النصحاء ، وأبهى ما استشعره أرباب الولايات ، وأدلّ الأدلّة على سُبل الصالحات ، وفاعلها بثبوت القدم خليق ، وبالتقديم جدير ، قال الله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١).
__________________
(١) الحجرات : ١٣.