فيصيب ويخطر الشيء بباله فيكون ، وهي منزلة رفيعة من منازل الأولياء.
وقال في قوله (إن كان في أمّتي) : قاله صلىاللهعليهوآلهوسلم على سبيل التوقّع ، وكأنّه لم يكن اطّلع (١) على أنّ ذلك كائنٌ وقد وقع ، وقصّة يا سارية الجبل (٢) مشهورةٌ مع غيرها.
وأخرج مسلم في صحيحه ـ في باب فضائل عمر (٣) ـ : عن عائشة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد كان في الأمم قبلكم محدَّثون ، فإن يكن في أُمّتي منهم أحدٌ فإنّ عمر ابن الخطّاب منهم. قال ابن وهب : تفسير محدَّثون : ملهمون.
ورواه ابن الجوزي في صفة الصفوة (٤) (١ / ١٠٤) وقال : حديثٌ متّفقٌ عليه ، وأخرجه أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار (٢ / ٢٥٧) بطرق شتّى عن عائشة وأبي هريرة ، وأخرج قراءة ابن عبّاس : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ولا محدَّث. قال : معنى قوله : محدَّثون أي ملهمون ، فكان عمر رضى الله عنه ينطق بما كان ينطق ملهماً ، ثمّ عدّ من ذلك ما قد رُوي عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الخطّاب : وافقني ربّي ـ أو : وافقتُ ربّي ـ في ثلاث ، قلت : يا رسول الله ، لو اتّخذنا من مقام إبراهيم مصلّى ، فنزلت : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٥) وقلت : يا رسول الله إنّ نساءك يدخل عليهنّ البَرُّ والفاجر فلو أمرتهنّ أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نساؤه في الغيرة فقلت : عسى ربّي إن طلّقكنّ أن يُبدِله أزواجاً خيراً منكنّ ، فنزلت كذلك.
قال الأميني : إن كان هذا من القول بالإلهام فعلى الإسلام السلام ، وما أجهل القوم بالمناقب ، حتى أتوا بالطامّات الكبرى كهذه وعدّوها فضيلة ، وعليهم إن عقلوا
__________________
(١) أُنظر إلى التناقض بين قوله هذا وبين ما مرّ من أنّ (إنّ) للتأكيد لا للترديد. (المؤلف)
(٢) سيوافيك في مناقب عمر : أن قصّة يا سارية الجبل ، موضوعة مكذوبة. (المؤلف)
(٣) صحيح مسلم : ٥ / ١٦ ح ٢٣ كتاب فضائل الصحابة.
(٤) صفة الصفوة : ١ / ٢٧٧ رقم ٣.
(٥) البقرة : ١٢٥.