صالحهم إنكار مثل هذا القول على عمر ، وفيه حطّ لمقام النبوّة ، ومسّةٌ على كرامة صاحب الرسالة صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال النووي في شرح صحيح مسلم (١) : اختلف تفسير العلماء للمراد ب (محدَّثون) ، فقال ابن وهب : ملهمون ، وقيل : مصيبون إذا ظنّوا فكأنّهم حُدِّثوا بشيء فظنّوه. وقيل : تكلِّمهم الملائكة ، وجاء في رواية : مكلَّمون. وقال البخاري : يجري الصواب على ألسنتهم ، وفيه إثبات كرامات الأولياء.
وقال الحافظ محبّ الدين الطبري في الرياض (٢) (١ / ١٩٩) : ومعنى محدَّثون ـ والله أعلم ـ أي يُلهمون الصواب ، ويجوز أن يحمل على ظاهره وتحدِّثهم الملائكة لا بوحي وإنّما بما يُطلق عليه اسم حديث ، وتلك فضيلةٌ عظيمةٌ.
وقال القرطبي في تفسيره (٣) (١٢ / ٧٩) : قال ابن عطيّة : وجاء عن ابن عبّاس أنَّه كان يقرأ : وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ ولا محدَّث. ذكره مسلمة بن القاسم بن عبد الله ، ورواه سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عبّاس. قال مسلمة : فوجدنا المحدَّثين معتصمين بالنبوّة ـ على قراءة ابن عبّاس ـ لأنّهم تكلّموا بأمور عالية من أنباء الغيب خطرات ، ونطقوا بالحكمة الباطنة ، فأصابوا فيما تكلّموا ، وعصموا فيما نطقوا كعمر بن الخطّاب في قصّة سارية (٤). وما تكلّم به من البراهين العالية.
__________________
(١) شرح صحيح مسلم : ١٥ / ١٦٦.
(٢) الرياض النضرة : ٢ / ٢٤٥.
(٣) الجامع لأحكام القرآن : ١٢ / ٥٣.
(٤) هو سارية بن زنيم بن عبد الله ، وكان من قصّته أنّ عمر رضياللهعنه أمّره على جيش وسيّره إلى فارس سنة ثلاث وعشرين ، فوقع في خاطر سيّدنا عمر ـ وهو يخطب يوم الجمعة ـ أنّ الجيش المذكور لاقي العدو وهم في بطن وادٍ وقد همّوا بالهزيمة ، وبالقرب منهم جبل ، فقال في أثناء خطبته : يا سارية : الجبل الجبل ، ورفع صوته فألقاه الله في سمع سارية فانحاز بالناس إلى الجبل ، وقاتلوا العدو من جانب واحد ففتح الله عليهم. كذا في هامش تفسير القرطبي. (المؤلف)