وأخرج الحافظ أبو زرعة حديث أبي هريرة ، في طرح التثريب في شرح التقريب (١ / ٨٨) بلفظ : لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال مكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن في أمّتي أحدٌ فعمر.
وأخرجه البغوي في المصابيح (١) (٢ / ٢٧٠) ، والسيوطي في الجامع الصغير (٢). وقال المناوي في شرح الجامع الصغير (٤ / ٥٠٧):
قال القرطبي : محدَّثون ـ بفتح الدال ـ اسم مفعول ، جمعُ محدَّث بالفتح أي مُلهَم أو صادق الظنّ ، وهو من أُلقي في نفسه شيءٌ على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، أو من إذا رأى رأياً أو ظنّ ظنّا أصاب كأنّه حُدِّث به ، وأُلقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له ، وهذه كرامةٌ يكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء.
فإن يكن من أمّتي منهم أحدٌ فإنّه عمر ، كأنّه جعله في انقطاع قرينه في ذلك كأنّه نبيّ ؛ فلذلك أتى بلفظ (إن) بصورة الترديد ، قال القاضي : ونظير هذا التعليق في الدلالة على التأكيد والاختصاص قولك : إن كان لي صديقٌ فهو زيد ؛ فإنّ قائله لا يريد به الشكّ في صداقته بل المبالغة في أنّ الصداقة مختصّة به لا تتخطّاه إلى غيره.
وقال القرطبي : قوله (فإن يكن) دليل على قلّة وقوعه وندرته ، وعلى أنّه ليس المراد بالمحدَّثين المصيبون فيما يظنّون ؛ لأنّه كثيرُ في العلماء بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصحُّ إصابته فترتفع خصوصيّة الخبر وخصوصيّة عمر ، ومعنى الخبر قد تحقّق ووجد في عمر قطعاً وإن كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يجزم بالوقوع ، وقد دلّ على وقوعه لعمر أشياء كثيرة كقصّة الجبل يا سارية الجبل ، وغيره. وأصحّ ما يدلّ على
__________________
(١) مصابيح السنّة : ٤ / ١٥٣ ح ٤٧٢.
(٢) الجامع الصغير : ٢ / ٢٥١ ح ٦٠٩٧.