واستمر الخليل في طلب العلم من البوادى إلى أن أصبح على هذا القدر الكبير من المعرفة والتحصيل والتأليف ، فقد «كان رحمه الله من أذكياء التاريخ وعباقرة العلماء ، صنع للعربية كثيرا وآتاها من الفضل ما لم يؤتها أحد من العلماء ، ابتكر العروض ، وخرج به إلى الناس علما كاملا ، فضبط به الشعر العربي وحفظه من الاختلال ، وابتكر طريقة أحصى بها مفردات اللغة وميّز بها المهمل من المستعمل ثم دوّن على هداها معجم العين» (١) ولم يبخل الخليل بعلمه على تلاميذه فنهلوا وعلّوا من ينابيعه إلى أن أصبح له مجموعة من تلاميذه (٢) الذين حملوا لواء العلم من بعده ، ومن هؤلاء تلميذه الوفيّ سيبويه شيخ النحاة في عصره (توفي ١٨٠ ه أو ١٨٣ ه) والنضر بن شميل (توفي ٢٠٤ ه) وأبو مفيد مؤرج السدوسي (توفي ١٩٥ ه) ، وعلي بن نصر الجهضمي والأصعمي (توفي عام ٢١٧ ه) والليث بين المظفر وأبو محمد اليزيدي (توفي عام ٢٠٢) ، لقد أثّر الخليل تأثيرا كبيرا في علوم العربية بتراثه المعرفي الذي تركه وبتلاميذه الذين اقتفوا نهجه العلمي فهو ـ كما يشير بعض الكتاب ـ باعث نهضة العرب ورافعهم إلى مدارج العلم.
يقول الدكتور هادي حسن حمودي (٣) : «حقا إن أعمال الخليل كانت (نهضة) بكل ما في كلمة النهضة من معان .. فهو الذي أنهض الأمة ، ونقلها من حال إلى حال وأخذ بيدها في مدارج العلم والعمل النافع .. فكوّن مجموعة من الطلاب الذين أصبحوا علماء رأسوا الأمصار في العلم والتفّ حولهم المريدون يأخذون عنهم ، ويتطورن إلى يوم الناس هذا وفي جميع البلدان العربية أو المهتمة بلغة العرب وتراثهم وهم ما أخذوا إلا غلالة من علم الخليل ابن أحمد الأزدي وما تطوروا إلا بنهجه الذي سنّه لهم».
__________________
(١) سيبويه إمام النحاة ، علي النجدى ناصف ، ص ٩١.
(٢) طبقات النحويين واللغويين ٧٤. ٧٥. ٢١٥. معجم الأدباء ١١ / ٧٣. وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٤. ٥ / ٣٠٤ ٧ / ١٨٤. نزهة الألباء ، ص ٧٥ ، ١٠٠.
(٣) الخليل وكتاب العين ، ص ١٦.