وحكي أنهم تلقوا عمر ببرذون وثياب بيض وكلموه أن يركب البرذون ليراه العدو فهو أهيب له عندهم وأن يلبس الثياب البيض ويطرح الفروة عنه ، فأبى ، ثم ألحوا عليه فركب البرذون بفروة (١) وثيابه ، فهملج (٢) به البرذون وخطام راحلته بعد في يده ، فنزل ، وركب راحلته (٣) ، وقال : لقد غيرني هذا حتى خفت أن أتكبر وأنكر نفسي ، فعليكم يا معشر المسلمين بالصدق (٤) وإنما أعزكم الله ، عز وجل ، به.
وروي عن طارق بن شهاب (٥) قال : لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع جرموقيه (٦) فأمسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيره. / / فقال أبو عبيدة له (٧) : لقد صنعت اليوم صنعا عظيما عند أهل الأرض ، فصكه عمر في صدره وقال له : لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة ، إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام ، ومهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله تعالى (٨).
وروي أنه لما قدم عمر من المدينة ناهضوهم القتال بعد قدومه ، فظهر المسلمون على أماكن لم يكونوا ظهروا عليها قبل ذلك (٩). وظهروا يومئذ على كرم كان في أيديهم لرجل من النصارى له ذمة مع المسلمين في كرمه عنب فجعلوا يأكلونه. فأتى الذمي عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، فقال له : يا أمير المؤمنين كرمي كان في أيديهم فلم يستبيحوه ، ولم يتعرضوا له (١٠) ، وأنا رجل لي ذمة مع المسلمين ، فلما ظهر عليه المسلمون وقعوا فيه فدعا عمر ، رضياللهعنه ، ببرذون له فركبه عريانا من العجلة ، ثم خرج يركض في أعراض المسلمين فكان أول من لقيه أبو هريرة يحمل فوق رأسه عنبا فقال له : وأنت أيضا يا أبا هريرة ، فقال له : يا أمير
__________________
(١) بفروة أ ج : بفروته ب : ـ د ه.
(٢) فهملج : هملاج الهملاج من البرادين وأحد الهماليج ومشيها الهملجة فارسي معرب ، والهملجة والهملاج حسن سير الدابة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٣٩٣.
(٣) راحلته أ ج ه : ناقته ب ه.
(٤) بالصدق ج ه : بالقصد أ ب د.
(٥) طارق بن شهاب بن عبد شمس بن مسلمة البجلي الأحمسي ، أبو عبد الله ، توفي سنة ٨٣ ه / ٧٠٢ م ؛ ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٩٧ ؛ الزركلي ٣ / ٢١٧.
(٦) الجرموق : الخف القصير يلبس فوق خفه ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٠ / ٣٥ ؛ المعجم الوسيط ١ / ١٢٣.
(٧) له أ ج ه : ـ ب د.
(٨) هذه الروايات منقولة حرفيا عن مثير الغرام ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٧ ـ ١٦١.
(٩) وظهروا أ ب ج د : فظهروا ه.
(١٠) ولم يتعرضوا له أ ج ه : وكم يتعرضوا لي ب د.