(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ)
يقول ربنا بصراحة بالغة ، ولو لم يكن في القرآن إعجاز إلّا هذه الآية لكانت شاهدة صدق على أنّه من عند الله ، إذ يزعم الناس ـ إلّا قليل ممن هداهم الله ـ أنّ الطاغوت أو أولي الثروة والجاه والعشيرة ينصرون من يشرك بهم ، بينما يؤكد ربنا أنّ العكس هو الصحيح ، وعند ما نتفكر جيدا نعرف أنّ الآلهة هم الذين يتبعونهم ، فمن الطاغوت لو لا اتباعه الذين استسلموا له رغبا ورهبا أو ضلالة؟ الأثرياء فظلمهم واستضعافهم إنّما بسكوت الناس عنهم أو طمعهم في أموالهم ، وهكذا العشيرة والوطن والحزب.
(وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ)
ولعل هذا التعبير يوحي بأنّ قوة الآلهة هي مجموع قوة التابعين ، فهم رمز التجمع لا أكثر ولا أقل.
وقال المفسرون : إنّما عنى الله بذلك يوم القيامة حيث يصطف المشركون خلف آلهتهم المزعومة ويساقون الى النار زمرا ، ولا ريب أنّ الأمر لكذلك ، ولكن ـ يبدو لي ـ أنّ الآية تشمل الدنيا أيضا ، إذ المشركون هم أنصارها هنا ، وفي الآخرة تتجلّى هذه الحقيقة أكثر فأكثر ، قال ربنا سبحانه : «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا* كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» (١)
وكلمة أخيرة : إنّ العوامل المؤثرة في حياة البشر ليست جميعا ظاهرة بل هي عوامل غيبية ، وحتى العوامل الظاهرة كالسياسة والإقتصاد وما أشبه فهي ـ لو أمعنا النظر ـ تتصل بعوامل غيبية ، وبالتالي لا تستطيع القوى المعبودة من دون الله
__________________
(١) مريم / (٨١ ـ ٨٢).