أن تؤثر فيها شيئا ، ثم إنّ قوتها الموهوبة محدودة بعالم الدنيا ، وهي وبال في العالم الثاني. إنّ الغباء يبلغ مداه حين يتخذ الإنسان نظيره الإنسان إلها من دون ربّ العزة لينصره أمام سنن الله وقدره وقضائه ، ولكنّ هذا الغباء هو بالضبط ما يركبه الإنسان إلّا من عصمه الله ، فأغلب الناس يشركون بربهم ، ويعبدون بنسبة معينة آلهة القوة والثروة والجاه ، فيفقدون بذات النسبة قوتهم التي وهبها الله لهم لمصلحة تلك الآلهة ، وهم يزعمون أنّهم يكتسبون منها قوة ومنعة وعزا.
كما أنّهم بشركهم يفقدون نصر الله لهم ، ولو أنّهم توكّلوا على الله ، وتوجّهوا تلقاء نعمه التي أسبغها عليهم ظاهرة وباطنة ، وفجّروا طاقاتهم التي لا تحدّ ، واستخرجوا من أنفسهم كنوزها التي لا تنفد ، إذا حقّقوا المزيد من تطلعاتهم بتأييد ربهم وتسديده.
ولعمري هذا سر العظمة ومفتاح الفلاح لو كانوا يعقلون.
[٧٦] وحين يتخلّص الإنسان من حجاب الشرك يتهيّأ نفسيا ومن ثم عقليا لتقبّل المسؤولية ، لأنّ أعظم دافع للبشر نحو الشرك الهروب منها ، والتخلّص من جزاء أعماله حسب زعمه ، وهكذا يذكّرنا السياق بيوم الجزاء الأوفى بعد أن يرفع شبهة المجادلين فيه ، القائلة : كيف يحيي الله الموتى؟ إنّ هذه الشبهة آتية من نسيان الخلق ، وعظمته التي تدل على عظمة الخالق ، أمّا إذا تذكّرناه فإنّ الشبهة تتلاشى.
ويبدأ الحديث ببيان أنّ كلامهم الجدلي يجب أن لا يحزن أصحاب الرسالة ، لأنّه محفوظ عند الله ، يعلم الله خباياه كما يعلم ظاهره ، فلا ينبغي أن يقرّبه ويؤخذ مأخذ الجد.