قال : أوضح لي ذلك؟
قال : إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا كما منه خلق ، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ، فما أكلته ومزّقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور ، فتربو الأرض ، ثم يمخض مخض السّقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيتجمع تراب كلّ قالب الى قالبه فينقل بإذن الله تعالى القادر الى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها ، وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا» (٢)
ولعل إشارة القرآن الى بداية الخلقة توحي بنظرية تقول : إنّ الخلية الأولى التي تلاقحت في الرحم تبقى على حياتها ثم تنمو في رحم الأرض كما نمت أولا في بطن الأم ، ولكنّ الحديث المذكور آنفا صريح في أنّ ذرأت البدن المتناثرة في الأرض تلتحق به أنّى كانت عن طريق المخض ، ولنا أن نشبّه ذلك بقطعة مغناطيس إذا حرّكت في تراب مخلوط بذرات الحديد. كيف تجتمع عليها تلك الذرات؟!
[٨٠] ثم يمضي السياق قبلا في أنّ البعث حق ، ويضرب مثلا من الشجر الأخضر الذي جعل الله للناس منه نارا ووقودا ، ويقول :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)
__________________
(٢) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٣٩٥).