وهكذا يأتي رجل الى الإمام أمير المؤمنين (ع) وقد جاء بعظم كافر فيقول : أنتم تقولون أنّه معذّب فأين النار التي يعذّب بها الآن؟! فيأتي إليه الإمام بزناد فيقدحه فيقول : أين كانت النار في هذا الزناد؟!
[٨١] البعث والنشور حقيقة فطرية. أو ليست نفوس البشر تنزع الى الخلود؟ وهذه الجهود الهائلة التي يبذلها البشر من أجل الخلود ، دليل عمق الإحساس بالخلود ، وما أكره الموت في نظر الإنسان إلّا ايمانه بأنّه جاء ليبقى ، وفقط أولياء الله الذين يظنون أنّهم ملاقوا ربّهم لا يهابون الموت ، ولو أحصيت أهداف الناس من مساعيهم المختلفة لكان لهدف استمرار البقاء حصة الأسد فيها ، يقول الله تعالى لبيان هذه الحقيقة : «وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ» (٥)
وحيث علم البشر أنّه لا محالة ميت ، فتّش عن بقاء اعتباري أن فقد القدرة على البقاء الحقيقي ، فإذا به يسعى للامتداد عبر أبنائه أو آثاره أو حتى تحنيط جسده الميت وبناء المقابر الضخمة عند رفاته.
وحين أراد إبليس إغواء أبينا آدم وزوجه حوّاء وإخراجهما من الجنة ، قال لهما : «هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى» (٦)
هكذا تراه يثير فيهما حبّ الخلود ، ويربطهما بالمعصية ، وكذلك يصنع بأبناء آدم ، فإنّه من أعظم أسباب الذنوب حبّ الخلود.
ومن هنا فإنّ الإمام علي (ع) حين يسأله أحدهم : ما هو الحق الشبيه بالباطل؟! يقول : الموت ، لأنّ نزعة الخلود لا تدعه يذعن للموت هذا الذي لا ينجو
__________________
(٥) الشعراء / (١٢٩).
(٦) طه / (١٢٠).