الخلق ، يقول ربنا وهو يوضح قدرته في أمر الخلق :
(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
فليس فيضا أو صدورا ، وليست دورة وجودية كما تقول الدهرية والذين تأثروا بهم من الفلاسفة ، إنّما هو فعل محدث لربّ القدرة ، فحيث أراد خلق المشيئة بعظيم قدرته فخلق الأشياء بالمشيئة ، حسب حديث مأثور.
والتعبير ب «يقول» لبيان حدوث الإرادة ، وإلّا فربنا غني عن احداث تحول لفعل الأشياء وهكذا جاء في كلام أمير المؤمنين (ع) :
«يقول لما أراد كونه (كن) فيكون ، لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثّله ، لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا» (٧)
إنّ الكلمات تقف دون تبيان الغيب الإلهي عاجزة كليلة ، وإنّما تقرّب إلينا ـ قدر المستطاع ـ حقائق الغيب بما هي قريبة منها في عالم الشهود ، فإنّنا ـ مثلا ـ حين نريد شيئا نأمر به والأمر عادة يكون بالتعبير عنه قولا ، لذلك نجد القرآن يعبر أن أمر الله بالكلمة أو بالقول.
وقد وهب الله هذه القدرة لأهل الجنة ، فقال في آية مضت : «وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ» وقال في قصة سليمان : «قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ».
هكذا بمجرد أن يشتهي أهل الجنة شيئا يجدونه عندهم بإذن الله ، كذلك بمجرد
__________________
(٧) نهج البلاغة / خ (١٨٦) / ص (٢٧٤).