(أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)
فهو أفضل من آدم (ع) لا بالعمل الصالح والطاعة والعبادة المخلصة بل بعنصره الناري.
(خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)
ان المهم في الخلقة ليس المخلوق بذاته ، بل ما يعطيه الخالق له من قيمة ومنزلة ، وما دام الرب واحد فان قيمة المخلوقين من الناحية الجوهرية واحدة ، وانما يتفاضلون بما يحدده الرب من مقاييس للتفاضل ، وليس ثمة قيمة عند الله لأحد بذاته ، انما تقواه وعمله الصالح.
جاء في نهج البلاغة :
«الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء واختارهما لنفسه دون خلقه ، وجعلهما حمى وحرما على غيره ، واصطفاهما لجلاله ، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما في عباده ، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين ، فقال سبحانه ـ وهو العالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب ـ : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) اعترضته الحميّة ، فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصب عليه لأصله ، فعدوّ الله امام المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية ، ونازع الله رداء الجبرية ، وادّرع لباس التعزز ، وخلع قناع التذلل. الا ترون كيف صغّره الله بتكبره ، ووضعه بترفعه ، فجعله في الدنيا مدحورا ، وأعد له في الآخرة سعيرا ، ولو أراد الله سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه ، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه ، لفعل. ولو فعل لظلتّ له الأعناق خاضعة ، ولخفّت البلوى فيه على الملائكة ،