ولكن الله سبحانه ابتلى خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ، ونفيا للاستكبار عنهم ، وابعادا للخيلاء منهم ، فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل ، وجهده الجهيد ، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة ، لا يدرى أمن سنيّ الدنيا أم من سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة ، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته. كلا ... ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا ، ان حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرّمه الله على العالمين» (١)
ان انحراف إبليس لم يكن بجبر من الله انما باختياره هو نفسه ، ومن الحوار الذي جرى بين الله وبينه يتبين انه تعالى أراد هدايته فقد أكثر القول له ، وهذا أساس في القرآن والرسالات الإلهية الاخرى ، لأن الفلسفات الاخرى القديمة والحديثة كلها تعتقد بالجبر ، وان الشر من الله ـ تعالى عما يصفون ـ أو من اله معارض له في الرأي ، مساو له في القوة ، وهذه الثنائية موجودة بصورة أو بأخرى في كل الفلسفات كالفلسفة الشيوعية التي تؤمن بثنائية الحتمية التاريخية ، أو كفلسفة (فرويد) التي تعتقد بالثنائية الجنسية ... إلخ ، وقد تسربت هذه الفلسفة المنحرفة الى كثير من كتب الديانات ولكن هذه الآيات وأخرى كثيرة تلتقي معها في الموضوع تبيّن أن إبليس كان حرّا في اطار قضاء الله وقدره ، فهو غير قادر على مقاومة الإرادة الالهية إذا أراد الله ذلك ، لكنها من جانب آخر تؤكد بأنه تعالى لم يجبره على المعصية والانحراف ، بل أعطاه المهلة وحاوره في الأمر اقامة للحجة لعله يهتدي للحق سبيلا.
[٧٧ ـ ٧٨] فلما رفض وأصرّ على معصيته واعتزازه الباطل بعنصريه ، طرده الله من رحمته ، واسترد منه الاعتبار الذي وهبه له من قبل.
__________________
(١) نهج البلاغة / خ (١٩١) / ص (٢٨٥).