والعقائد الفاسدة والرضا والبغض كلها من فعل القلب ، فمثلا كثيرا ما يزعم الفرد أنّه مجبور على عمل وهو غير مجبور والله يعلم ما في صدره.
[٨] وبعد أن نسف السياق قواعد التبرير ، ومهّد القلب لتلقي الحجة ، أبلغنا بأنفذ الحجج وهو دليل الفطرة والوجدان ، حيث ينقطع في أوقات المحنة أمل الإنسان في أيّ شيء سواه سبحانه ، وهنالك يتصل قلبه بالله ، إنّ الله هو ذلك الأمل الذي ينجيك حين لا منجى ، ويتعلق قلبك به حين لا تجد خشبة خلاص تتعلق بها ، وهذه أحد الأدلة والشواهد التي تهدينا إليه سبحانه ، ففي أيّام الرخاء تعترينا الغفلة ، وننسى الله ، إلّا أنّ المصائب تأتي هزات عنيفة ليس لكيان الإنسان وإنّما لضميره ووجدانه حيث يرى الله ، والمؤمنون غير هؤلاء ، إنّهم يرون الله كما أمير المؤمنين (ع) إذ يقول :
«ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الله قبله ومعه وبعده»
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ)
أي يعود إلى الله ويترك الشركاء من دونه ، والدعاء والإنابة حالة الضراعة ، فهو من جهة يدعو الله كي يخلصه من الضراء ومن جهة أخرى يتوب إليه عما اقترفت يداه.
وفي ذلك شهادة فطرية على أنّ الأنداد الذين اتخذهم شفعاء لا يقدرون لا على كشف الضر عنه ولا على التوسّط بينه وبين الله ، وإنما الله أقرب إليه من كل تلك الآلهة المزيفة ، وإنّ أمره بالرجوع إلى الرسول أو خليفته الشرعي هو المقياس.
(ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ)