هذا من جهة ومن جهة أخرى قلب الإنسان يرفض الفراغ ، فلا بد أن يتعلق بشيء ، فإذا نسي ربه اخترع لنفسه إلها مزيّفا من الشركاء ، يستعيض به عن ربه.
والدافع النفسي وراء الكفر بنعمة الخلاص من الهلكة هو التخلص من مسئولية شكر الله ، فالذي يقع في الهلكة يحس بتقصيره في جنب الله ويعقد العزم على تلافيه ، ويعاهد الله على ذلك إن نجّاه من الهلاك ، ولكنّه الآن وقد ذهبت عنه عاصفة البلاء وزعم أنّه استغنى عن ربه عادت إليه عواصف الشهوات تحثّه نحو الموبقات وترك الفرائض والخوض في الإباحية ، لذلك نسي ربه وكفر بنعمته عليه ، ونسب النعمة إلى الآلهة المزيّفة ، فيقول له الرب :
(قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً)
فإنّك لن تحصل إلّا على متاع قليل وفي فترة قليلة تنتهي إمّا بالمشاكل التي تتجدّد عليك أو بالموت.
(إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ)
وهل هي متعة تلك التي تنتهي بصاحبها إلى النار؟
والتعبير ب «أَصْحابِ النَّارِ» باعتبار أنّ الإنسان يحبّ صاحبه ولا يتركه ، فهو والنار قرينان لا يفترقان.
[٩] وفي مقابل هؤلاء الذين يجعلون لله أندادا هنالك طائفة أخرى هم المخلصون ، يقول الله عنهم :
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ)