ثانيا : إنّهم يمارسون التعقّل والتفكّر ليعرفوا أحسن الحديث ، وبذلك يميّزون بين الرديء والجيد وبين الحسن والأحسن ، فلا يكتفون بمعرفة الجيد بل يسعون لمعرفة الأحسن وفق قيم العقل والوحي ، ذلك أنّ أحسن القول هو الأصلح لدنياهم حسب هدى العقل والأنفع لأخراهم حسب هدى الوحي.
ثالثا : فإذا عرفوا الأحسن اتبعوه ، ولم يبحثوا عن العلم للعلم بل للعمل ، ولم يتعلّموا العلم لينقلوه الى غيرهم بل ليعملوا به أوّلا.
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)
إنّهما حجتان في حجة ، حجة الوحي وحجة العقل ، وهما تجلّيان لنور الله ، الذي أودعه بقدر في ضمير كل بشر ، وأنزله بهيّا عبر رسالاته ، وقد تجلّى هذا النور في ضمير هؤلاء لأنّهم اتبعوا أحسن القول. وهكذا هدى الله يتنزّل على قلب من يسعى إليه ويتبعه ، أو لم يقل ربنا سبحانه : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) وباطل أمنية أولئك الذين ينتظرون الهدى من دون سعي وجهاد.
واستوحي من الآية فكرة اعتبرها مفتاحا لغيب الكتاب الحكيم ، وهي : إنّ كل كتاب ربنا حسن ، إلّا أنّ الناس يختلفون في مدى الانتقاع به ، فبعضه بالنسبة الى البعض أحسن من غيره لحاجته الملحة إليه ، ومثل القرآن مثل أنواع الطعام متشابه في فائدته وروعته ولذته إلّا أنّ الناس يختلفون في انتفاعهم به.
فمثلا : آيات الجهاد تتجلّى في عصر التحديات أكثر من آيات الصبر ، بينما تتجلّى آيات الإنفاق للأغنياء بقدر تجلّي آيات العفاف للفقراء.
ومعرفة الظروف الاجتماعية والشخصية تكون بالعقل ، فهو ليس دليلا مستقلا بين الأدلة الشرعية بالإضافة الى الكتاب والسنة والإجماع ، بل هو النور الذي يعرف