وهكذا يهون علينا القرآن شأن الدنيا حتى لا تخدعنا زخارفها ولو كانت الأرض كلها بأيدينا فهي تعف عنها أنفس المؤمنين بالآخرة ، لأنّ عذابها لا يزول بافتداء كل الأرض ومثلها معها ، فما شأن بيت معمور فيها أو زوجة حسناء أو منصب بسيط؟!
(وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)
لان كتابهم آنذاك لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها مما لم يكونوا يتوقعونه ولم يحتسبوا أن الأمر بهذه الدقة وبهذه الجدية ، وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع) قال :
«اتقوا المحقرات من الذنوب فان لها طالبا ، يقول أحدكم : أذنب واستغفر الله ، ان الله عز وجل يقول : (نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) وقال عز وجل : (إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (١)
ويبدو من خلال الآية أن الإنسان قد يتصور أن مجرد ذنوبه البسيطة قد لا تسبب له دخول النار ، ولكن الحقيقة شيء آخر ، إذ تجتمع الذنوب إلى بعضها حتى تكون كالجبل على قلبه.
وفي الحديث عن الإمام أبي الحسن (ع) :
«لا تستكثروا كثير الخير ، ولا تستقلوا قليل الذنوب ، فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا ، وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف» (٢)
[٤٨] (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا)
__________________
(١) بحار الأنوار / ج (٧٣) ص (٣٢١).
(٢) بحار الأنوار / ج (٧٣) ص (٣٤٦).