وهذه الآية تكمل الآية الثامنة من هذه السورة ، حيث ان الإنسان هناك نسب النجاة الى الأنداد بينما هنا نسبها الى نفسه ، والفرق واضح ، ففي المرة الاولى إلّه غيره ، وفي المرة الثانية ألّه نفسه ، واعتقد ان ما خوّله الله به من نعمة انما هو من ذاته.
ولان السياق هناك كان في مقام نفي الأنداد فقد عالج حالة الشرك بهم ، بينما السياق هنا ـ فيما يبدو ـ ينفي قيمة الثروة فانه عالج عبادة الذات والزعم بأن ما حصل عليه من النعم كانت بعلمه.
وتذكرنا الآية بما قاله قارون (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ* لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي)(١)
(بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)
لماذا قال ربنا أولا «نعمة» وهي صيغة مؤنث حيث استخدم ضمير المذكر ثم عاد إلى صيغة المؤنث؟
لعل الجواب ان الأصل في السياق استخدام صيغة المؤنث وانما انصرف عنه في قوله : «أوتيته» ، لبيان ان الله انما خوله شيئا من النعمة ذلك ان الإنسان يتصور انه حاز على النعمة جميعا بينما لم يخوله الله الا شيئا بسيطا منها ، فإذا هو بهذا القليل يطغى فكيف بكل النعم.
ويشير السياق إلى انّه ينبغي الا يرى الإنسان ان النعمة خير له ... بل قد تكون فتنة وابتلاء ، بل قد تكون استدراجا من الله له ، ففي الرواية عن أمير المؤمنين ـ
__________________
(١) القصص / (٧٦ ـ ٧٨).