وسلوكهم النموذجي ، بينما الشهداء ميزان بمواقفهم وشهادتهم على مجتمعاتهم ، حيث كانوا طليعتها ، ولعل الشهداء هنا اشمل من أن نحصرها في أولئك الذين يجاهدون من أجل الحق ، ويسقطون مضرجين بدمائهم ، انما هم كل من يلتزم بالحق فيصير حجة على الناس. فأيوب (ع) حجة على الذين ينهزمون إمام الابتلاء ، ويوسف (ع) حجة على الذين يغترون بجمالهم ، كما إن الذين يثورون ويتجاوزون إرهاب الطغاة حجة على القاعدين والخانعين.
وحيث يحضر هذان الميزانات يحاسب الناس بهما وفيهما يتجلى الحق.
(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)
وعدم الظلم نتيجة مترتبة على كون المقاييس حقانية وعقلانية ، وانما يجور الحاكم باتباعه الباطل في قضائه ، وما دام الأمر كذلك فالناس إذن هم الذين يظلمون أنفسهم بمخالفتهم الحق إذا قضي عليهم بالعذاب. والله يقول بهذا الشأن : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١)
[٧٠] ثم يؤكد الله عدالته في الحساب.
(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ)
والسؤال لماذا لم يقل الله وفي كل شخص ، أو وفي كل إنسان ، والجواب كما يبدو انه تعالى يريد بيان حقيقة هامة ، وهي أن الإنسان لا يحاسب على أعماله الظاهرة التي يمارسها بأعضائه وحواسه وحسب ، بل يلاقي جزاءه خيرا كان أو شرا حتى على أعمال النفس وتصرفاتها ، على فكره ، وحبه وبغضه ، والحساب الالهي ليس قائما على الجهل أو الظنون ، انما يقوم على علم الله المطلق.
__________________
(١) يونس / (٤٤).