في تزكية أنفسهم.
وربما يكون قولهم هذا ردا على اليهود الذين كانوا يعيّرون المشركين ، ويهدّدونهم بنبيّ لهم يكسر أصنامهم ، فعرّضوا بهم وقالوا : لو جاءنا رسول سنكون أهدى منكم.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً)
أي كانوا نافرين من قبل ، فازدادوا نفورا على نفورهم. لماذا؟ لأنّ الإنسان قبل أن تأتيه الحجة يكون عنده عذر لكفره ، لأنّ الله قال : «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» (٢) وعند ما تأتيه الحجة تراه يكفر بالحجة.
[٤٣] ومشكلة هؤلاء أنّهم استكبروا ، تكريسا لانانيّتهم ، وقالوا : أبعث الله بشرا رسولا؟! ما له يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق؟! إنّه ليس رجلا من القريتين عظيما في ماله ، وإنّه لو نؤمن به نتخطّف من أرضنا ، فاستكبروا في الأرض ، بحثا عن سلطة طاغية ، وثروة عريضة ، وشهرة واسعة.
ولقد قلنا مرارا : ان التكبّر ومظهره الاستكبار أخطر حاجب بين البشر وبين الإيمان بالحقائق.
(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ)
قال الرازي عن المكر السيء : إنّه إضافة الجنس الى نوعه ، كما يقال علم الفقه وحرفة الحدادة ، وتحقيقه أن يقال : معناه ومكروا مكرا سيّئا ثم عرّف لظهور مكرهم ثم ترك التعريف باللام وأضيف الى السيء لكون السوء فيه أبين الأمور. (٣).
__________________
(٢) الإسراء / (١٥).
(٣) التفسير الكبير عند تفسير الآية.