روى أبو صالح شعيب : ذهبنا إلى الشام ـ وكنا جماعة ـ لطلب علم الحديث ، وقد استولى علينا اختلال الحال وضيق ذات اليد وضنك المعيشة ، وبسبب تشتت البال [١٥٧] ـ وكما هي عادة الغرباء ـ ذهبنا إلى الصحراء ، فظهر علينا فارس شاب ، وعليه غلالة ، ومعه خادم ، فسألنا عن بلادنا التي جئنا منها وعن سبب ارتحالنا من أوطاننا فقلنا إننا خراسانيون جئنا لطلب علم الحديث النبوي ، فسألنا عن أحوال نفقتنا ، فقلنا في أسوأ الأحوال. فطلب إلى خادمه أن يعطي كل واحد منا ألف دينار صحيحة ، فانصرف الخادم وما عتم أن عاد في أسرع وقت ومعه أفراد آخرون ، ووضع قدّام كل واحد منا ألف دينار صحيحة كجمرات النار ، وقال : اذكروا الأمير بالأوراد والأدعية الصالحة. ثم إن الشاب ركض بفرسه وذهب. فسألنا : من يكون هذا الشاب المطبوع بمخايل الرجال والعقلاء ، وجماله عنوان كتاب الشرف ، وفضائله ترجمان مجد السلف ؛ الذي كتبت على وجهه آية سيادته ، وعجنت بعنبر السخاء طينته ؛ فكأنه قد شرب ماء من يد الشمس ، فبانت على وجهه علامة السيادة ، وعلى ألفاظه الجوهرية أمارة الإمارة والعظمة ، وقرأ العصر عنوان دولته ، وكتب قلم الإقبال بخط السعادة اسمه بدفاتر المفاخر :
لو لا عجائب صنع الله ما نبتت |
|
تلك الفضائل في لحم ولا عصب |
فقال : هو الأمير طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين ، أمير خراسان والشام وبغداد المستحق للمدح والثناء بالأيادي والإنعام ، واللائق للخدمة والدعاء بالفضل والإكرام ؛ صاحب الأصل الأصيل ، والرأي الجميل ، والحسب الحسيب ، والصورة القمرية ، والجمال بلا نهاية ، والجود بلا غاية :
__________________
للموفق الخوارزميّ ، ٥٨ ؛ شواهد التنزيل ، ١ / ١١٨ ؛ المستدرك للحاكم ، ٣ / ١١٠ ؛ ذخائر العقبى ، ٨٦.