درهم ؛ ففدحني فقلت : آتي الكوفة فإن لنا بها شيعة ، فلما كنت بقرية من السواد أنا ومولى لنا على حمارين ضعيفين مررنا بشيخ في مستشرف على باب دار ، فسلّمنا عليه فما حفل بنا ، فقال مولاي : أين تمضي بنا؟ بت في هذه القرية.
قال : فعدلنا فإذا نحن بدار واسعة ظننّاها فندقا فنزلنا نحط رحالنا ، حتى سأل بعض من في تلك الدار مولاي عن اسمي ونسبي ، ومن أين جئت وأين أريد ، فأخبره ، وقعدنا متحيرين في حفاية بنا ، إذا برسول قد جاء برقعة بزّة يسألني المصير إليه ، ويقول : أبي عليل ، وأحببت أن أقضي من حديثك أربا.
فهممت بالقيام ، فقال مولاي : إلى أين تقوم؟ إلى رجل لم يرنا أهلا لردّ السّلام؟ فقمت على حالي فسلّمت عليه ، فاستحيا واعتذر بالعلة من إرساله إلي ، وسألني عن مخرجي ، وما لقيت في سفري ، فهممت أن أشرح له خبري ، فاستحييت وقلت : يكون ذلك في مجلس آخر. فمدّ يده إلى الدواة فكتب رقعة وختمها وقال لمولاي : الق وكيلي بها.
فأخذ المولى الرقعة وسلّمت عليه ، وقمت ودعوت له ، ولم أحفل بالرقعة فرمى بها مولاي في زاوية البيت الذي نزلناه ، وأتينا بما يحتاج إليه من زاد وعلف ، واحتفرنا أمر الرقعة ، فإذا وكيله قد غدا علينا فقال : ألا توصلون إلينا رقعتكم ، فتقبضون مالكم قبل أن يفرغ ما عندنا.
فقلت لمولاي : هات تلك الرقعة ، وقلت للوكيل : وما مالنا هذا؟ كم هو؟ قال : قد أمر لك بمائة ألف درهم وهو مستقلّ لها ، فلم أصدق.
وفك الرقعة فقرأها وقال للمولى : تعالى اقبض مالك ، فقلت : حميرنا مضعفة : احمل لنا منها ثلاثين ألف درهم ، وندخل الكوفة فنقبض منك الباقي هناك ، فقال : وأين تريدون إذا صدرتم عن الكوفة؟ قلنا : الشام [قال : أي الشام](١) قلت الحميمة فمضى ليأتي بالمال فأحضره وقال : يأمركم أبو الهيثم أن تلقوا وكيله في قرية كذا بالشام بهذه الرقعة الأخرى ، وقبض الرقعة الأولى فخرقها ، وسلّم إلينا الثلاثين الألف الدرهم.
فقلنا للوكيل : ومن هذا الشيخ؟ قال : هذا الأمير خالد بن عبد الله القسري ، هو
__________________
(١) الزيادة عن م ، وانظر مختصر ابن منظور ٧ / ٣٧٦.