فقال له خالد بن عبد الله : سل يا أعرابي ، قال : قد جعلت المسألة إليّ أصلح الله الأمير؟ قال : نعم ، قال : مائة ألف درهم ، قال : أكثر [ت] يا أعرابي قال : فأحطك أصلح الله الأمير؟ قال : نعم ، قال : قد حططتك تسعين ألفا ، قال له خالد : يا أعرابي ما أدري من أيّ أمريك أعجب ، فقال له : أصلح الله الأمير إنك لما جعلت المسألة إليّ سألتك على (١) قدرك وما تستحقه في نفسك ، فلما سألتني أن أحطّ حططتك على قدري وما استأهله في نفسي ، فقال له خالد : والله يا أعرابي لا تغلبني ، يا غلام مائة ألف فدفعها إليه.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن عبد الرّحمن بن أخي الأصمعي ، عن الأصمعي ، قال : أتى خالد بن عبد الله رجل في حاجة فقال له : أتكلم فقال الرجل : أتكلم بحدة الجأش أم بهيئة الأمل فقال : بل بهيئة الأمل ، فسأله فقضى حاجته (٢).
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، وأبو منصور بن العطار ، قالا : أنا أبو طاهر المخلّص ، نا عبيد الله بن عبد الرّحمن ، نا زكريا بن يحيى ، نا الأصمعي ، قال : دخل أعرابي على خالد بن عبد الله في يوم مجلس الشعراء عنده وقد كان قال فيه بيتين شعرا مدحه بهما فلما سمع قول الشعراء صغر عنده ما قال ، فلما انصرف الشعراء بجوائزهم بقي الأعرابي فقال له خالد : ألك حاجة تكلم بها؟ فقال : أصلح الله الأمير إني كنت قلت بيتين شعر فلما سمعت قول هؤلاء الشعراء صغر عندي ما قلت ، فقال : لا يصغرن عندك ، فقل ، فأنشأ يقول :
تعرّضت لي بالجود حتى نغشتني |
|
وأعطيتني حتى ظننتك تلعب |
وقال العطار : حسبتك تلعب :
فأنت النّدى وابن النّدى وأخو النّدى |
|
حليف النّدى ما للنّدى عنك مذهب |
فقال : سل حاجتك ، قال : عليّ من الدين خمسون ألفا ، قال : قد أمرت لك بها وشفعتها مثلها ، فأمر له بمائة ألف.
__________________
(١) الأصل : «عن» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٢) الخبر نقله ابن العديم : بغية الطلب ٧ / ٣٠٨١ ـ ٣٠٨٢.