أنا محمّد بن العباس بن حيّوية ، نا محمّد بن أحمد بن المؤمّل ، نا أبو عثمان أحمد بن محمّد بن أبي بكر المقدّمي ، نا أبو همّام ، وهو الحارثي ، الصلت بن مسعود ، والصواب ابن محمّد ، نا سلمة بن علقمة ، عن داود بن أبي هند ، عن عبد الله بن عبيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قام موسى عليهالسلام خطيبا لبني إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي ، وعلم الله تعالى الذي حدّث نفسه من ذلك ، فقال له : يا موسى إن من عبادي من قد أتيت من العلم ما لم أوتك. قال : أي ربّ من عبادك؟ قال : نعم ، قال : فأدلني على هذا الرجل الذي أتيته من العلم ما لم يؤت حتى أتعلم منه ، قال : يدلك عليه بعض زادك ، فقال لفتاه يوشع (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ، أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)(١) فكان فيما تزودا حوتا مالحا في زبيل (٢) وكان يصيبان منه عند العشاء والغذاء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل [في] البحر فأصاب الحوت ثدي الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وانسرب في البحر ، فلما جاوزا حضر الغداء فقال : (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) ، ذكر الفتى قال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ، فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ، فذكر موسى ما كان عهد إليه : انك يدلك عليه بعض زادك ، (قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) أي هذه حاجتنا ، (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) يقصان آثارهما حتى انتهينا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل ، وأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر البحر ، (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) فأقر له بالعلم ، (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ، قالَ : سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً ، وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ، قالَ : فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) يقول حتى أكون أنا أحدث ذلك لك وانطلقا (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها ، قالَ : أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) ـ إلى قوله ـ (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) على ساحل البحر في غلمان يلعبون ، فعمد إلى أجودهم وأصحهم (فَقَتَلَهُ ، قالَ : أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً)(٣)(بِغَيْرِ نَفْسٍ
__________________
(١) السورة الكهف ، الآية : ٦٠.
(٢) الزبيل : الجراب أو الوعاء (قاموس).
(٣) بالأصل : «زاكية».