عجبا ، يقول : موسى عجب (١) من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها ، قال ذلك ما كنا نبغي ، قال موسى : فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت ، قال : فارتدّا على آثارهما قصصا يقال : اتّباع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهما راجعان على ساحل البحر ، قال : فوجدا عبدا من عبادنا ، يقول : فوجدا خضرا ، قال : أتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما ، قال : قال الله تعالى : وفوق كلّ ذي علم عليم ، فصحب موسى الخضر فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن الفضل بن أحمد ، أنا أبو بكر أحمد بن الفضل بن محمّد الباطرقاني ، نا أبو بكر محمّد بن علي بن أحمد الخطيب ، نا أبو جعفر محمّد بن الحسن البزار بباب الطاق (٢) ، نا محمّد بن المعافي الصيداوي ـ بصور ـ نا أبو يحيى زكريا بن يحيى الوقار قال : قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع ، قال الثوري : قال مجالد : قال أبو الوداك : قال أبو سعيد الخدري : قال عمر بن الخطاب : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال أخي موسى : يا رب ذكر كلمة فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح ، حسن بياض الثياب مشمّرها ، فقال : السّلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران ، إن ربّك يقرأ عليك السّلام ، قال موسى : هو السّلام وإليه السّلام ، والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ، ولا أقدر على أن أشكره إلّا بمعونته ، ثم قال موسى : أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك ، قال الخضر : يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع ، فلا تملّ جلساءك إذا حادثتهم ، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ما ذا تحشو (٣) به وعاءك ، واعزف (٤) عن الدنيا وانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار ، ولا لك فيها محل قرار ، وإنما جعلت بلغة للعباد ، والتزود منها للمعاد ، ورد (٥) نفسك على الصّبر تخلص من الإثم ، ثم يا موسى تفرّغ للعلم إن كنت تريده ، فإنما العلم لمن تفرّغ له ، ولا تكن مكثارا بالمنطق ، مهدارا ، فإن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوئ السخفاء ، ولكن عليك بالاقتصاد ، فإن ذلك من التوفيق والسّداد ، وأعرض عن الجهال وباطلهم ،
__________________
(١) وقيل إن لفظة «عجب» من تمام كلام يوشع بن نون ، وقيل : من كلام الله تعالى.
(٢) باب الطاق محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي (ياقوت).
(٣) الأصل : «تحشر» والمثبت عن ابن العديم.
(٤) في ابن العديم : وانحرف.
(٥) في ابن العديم والمختصر : ورض.