قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض |
|
وأكتم السرّ فيه ضربة العنق (١) |
وقد قال بعض من خالف هذا في صفته ، وسلك خلاف محجته :
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها |
|
ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي (٢) |
وما أتي في هاتين الخليقتين المتضادتين من منثور الأخبار ، ومنظوم الأشعار يتعب إحصاؤه ، ويملّ استقصاؤه ، ولعلنا نضمّن في مجالس كتابنا هذا منه ما يستفيد الناظر فيه ، إذا أتي ما يجره ويقتضيه ، إن شاء الله.
وذكرت من النوع الذي يضاد فيه فريقان في ما وصف به كل واحد منهما نفسه ، شيئا أحببت أن أثبته فيما هاهنا ، وإن كان بابه أوسع من أن يستوعى ، وأكثر من أن يستغرق ويستوفي ، وهو ما روي أن منفوسة بنت زيد الفوارس لما أهديت إلى قيس بن عاصم قرّبت (٣) إليهما الغداء ، فقال لها : أين اكيلي؟ فلم تدر ما يقول لها ، فأنشأ يقول (٤) :
أيا ابنة عبد الله وابنة مالك |
|
ويا بنت ذي البردين والفرس الورد |
إذا ما صنعت الزّاد فالتمسي له |
|
أكيلا فإني لست آكله وحدي |
أخا طارق (٥) أو جار بيت فإنني |
|
أخاف ملامات الأحاديث من بعدي |
وإني لعبد الضيف من (٦) غير ذلة |
|
وما فيّ إلّا ذاك من شيم العبد |
فسمعه جار له وكان مبخلا فقال :
لبيني وبين المرء قيس بن عاصم |
|
بما قال بون في الفعال بعيد |
__________________
(١) نسبه بحواشي الجليس الصالح لأبي محجن الثقفي ، وانظر تخريجه فيه.
(٢) البيت في الجليس الصالح ونسبه بحاشيته لسحيم الفقعسي ، والبيت في محاضرات الأدباء للراغب ص ٥٧ بدون نسبة وبرواية : لكن أنمها ولا أترك.
(٣) الأصل : «قرب» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٤) الأبيات في الجليس الصالح منسوبة لقيس ، وفي الكامل للمبرد ٢ / ٧٠٩ منسوبة لقيس بن عاصم ، وفي الأغاني ١٤ / ٧١ منسوبة لقيس بن عاصم ، وفي البيان والتبيين ٣ / ٣٠٩ وعيون الأخبار ٣ / ٢٦٣ بدون نسبة ، وفي ديوان الحماسة بشرح التبريزي ٤ / ١٠٠ منسوبة لحاتم طيئ ، والأبيات الأربعة في ديوان حاتم ط بيروت ص ٤٣.
(٥) في الجليس الصالح : أخا طارقا» ومثله في ديوان حاتم.
(٦) ديوان حاتم طيئ «ما دام ثاويا» وفي الكامل للمبرد : «ما دام نازلا».